كونور سين
TT

«الخمسة الكبار» يمكنهم تدمير النظام البيئي للتكنولوجيا

تصوروا لو أن «أمازون» أوقفت تجار التجزئة عن العمل.
ما الحد الأقصى الذي يمكن أن تبلغه شركات التكنولوجيا؟ وكيف يمكنهم السيطرة تماماً على الاقتصاد؟ إن الخمسة الكبار - شركات «أبل»، و«ألفابيت»، و«مايكروسوفت»، و«فيسبوك»، و«أمازون» - تملك في الوقت الراهن قيمة سوقية إجمالية بمقدار 3.3 تريليون دولار، وتشكل نسبة 40 في المائة من القيمة الفعلية لمؤشر «ناسداك - 100». ومع النمو المطرد والمتسارع للاقتصاد الرقمي بأكثر من الاقتصاد التقليدي القديم، فمن الصعب للغاية أن نعرف ما الذي يمكن أن يوقف هذه الشركات العملاقة. ما لم يتدخل الواقع.
وبعد كل شيء، ما هو مجال عملها على وجه التحديد؟ ومن هم عملاؤها؟ وما الدور الذي تقوم به في الاقتصاد؟ وكل إجابة من هذه الإجابات تشير إلى قيد ما على الحجم، والنطاق، والربحية لهذه الشركات الكبيرة.
وقد بلغت هذه الشركات هذا الحجم الهائل لسبب ما: إنها تتلامس مع كل جانب تقريباً من كافة جوانب الاقتصاد الرقمي بطريقة أو بأخرى. ونحن نعلم أن «فيسبوك» و«غوغل» تمثلان الاحتكار المزدوج للإعلانات الرقمية. كما نعلم أن «أمازون» تلتهم ببطء شديد المزيد والمزيد من التجارة الإلكترونية. وتعتبر «غوغل» و«مايكروسوفت» من رواد العالم في توفير الخدمات السحابية. وتبيع «أبل» الهواتف الذكية ذات الهوامش الربحية الفائقة إلى جانب الأجهزة الحاسوبية المعروفة الأخرى. وإجمالاً للقول في هذا الصدد، فإننا نتحدث عن مئات المليارات من الدولارات من العائدات السنوية وعشرات المليارات من الدولارات من الأرباح.
وما أغفلناه في معرض الحديث عن هذه الشركات والتهامها لما تبقى من الاقتصاد، هو أنها لا تزال تعتمد في أعمالها بالأساس على العملاء الذين يحصلون على قيمة معتبرة من الخدمات المقدمة. وتعلن الشركات عبر «فيسبوك» و«غوغل» إذا ما قررت أن الإعلانات هناك سوف تكون أكثر ربحية من عدم الإعلان هناك. والعائدات السحابية تتطلب وجود الأعمال الربحية بالأساس، التي تحتاج إلى البرمجيات والخدمات التجارية. ويختار بائعو الطرف الثالث البيع عبر «أمازون» لأنه من المربح لهم القيام بذلك. وبعبارة أخرى، وفي أغلب الأمر، تحظى الشركات التكنولوجية الخمس الكبار بالحجم والنطاق الحالي، بسبب أنها تخدم اقتصاداً واسعاً وأساسياً من الشركات المربحة.
لكن الطبيعة التخريبية للشركات التكنولوجية تثير التساؤلات حول مدى النمو الذي يمكنها بلوغه. نظراً، لأنه إلى حد ما، وعند مرحلة ما، سوف تواصل النمو فقط من خلال إخراج بعض العملاء خارج مجال العمل بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ولننظر في بضعة أمثلة على ذلك. كانت شركة «بلو أبرون»، وهي من شركات توصيل الوجبات إلى المنازل، التي أنشئت العام الحالي، من أكثر الشركات إعلاناً على الإنترنت. فإذا طرحت شركة «أمازون» خدمة منافسة تؤدي إلى إخراج شركة «بلو أبرون» من العمل، سوف تفقد شركة «فيسبوك» و«غوغل» بعضاً من عائدات الإعلانات، وقد تفقد «مايكروسوفت» و«غوغل» (وأمازون أيضاً) بعضاً من العائدات السحابية. وهناك شركة أخرى، وهي «فوسيل غروب»، قد كافحت بشدة على مدى السنوات القليلة الماضية، بسبب أن العملاء كانوا يشترون القليل من الساعات، ويرجع ذلك جزئياً إلى إنتاج ساعات «أبل». ومن المتوقع لشركة «فوسيل» و«أمازون» أن تفقدا مبيعات ساعات «فوسيل» أيضاً جراء ذلك.
إن رؤية التجزئة التي يعتمدها بعض المتفائلين في مجال التكنولوجيا سوف تعود بآثار مدمرة على إجمالي عائدات الإعلانات. وتصور في أقصى الحدود: إذا تمكنت شركة «أمازون» من إيقاف عمل كافة متاجر التجزئة، وحلت السلع ذات العلامات الخاصة محل كافة السلع الأخرى ذات العلامات التجارية المعروفة، فسوف يؤدي ذلك إلى انهيار مصدر لشريحة هائلة من الطلب على الإعلانات. بمعنى، يمكن لـ«أمازون» أن تسبب التعطيل الجزئي لأعمال «فيسبوك» و«غوغل» من دون التنافس المباشر مع أي منهما.
توجد المنصات التكنولوجية العملاقة والشركات التي تخدمها في نظام بيئي معين، حيث لا بد من وجود نوع من التوازن. إذ يمكن للشركات المربحة أن تخصص الكثير من العائدات للدعاية والإعلان، والخدمات السحابية، وتكنولوجيا المعلومات وما إلى ذلك. فإذا انهارت الأرباح أو نالها التعطيل بسبب الشركات التكنولوجية، فسوف تنهار أيضاً إنفاقات الإعلانات والتكنولوجيا سواء بسواء. ومن شأن بعض الشركات «المفترسة» والناجحة للغاية أن تعمل على تدمير النظام البيئي التكنولوجي، وينتهي الأمر بمجاعة تقنية هائلة.
ولقد وقعت الأسواق والاقتصاد بشكل عام في مشكلة كبيرة باقتراف خطأ مماثل في قطاع آخر، ألا وهو التمويل، قبل عشر سنوات ماضية، والتمويل، على غرار الشركات التكنولوجية العملاقة، يوجد في طبقة تعلو طبقة الاقتصاد الأساسي. ولقد أصبحت الأسواق غير رشيدة فيما يتعلق بمدى ربحية قطاع التمويل بالنسبة للاقتصاد الأساسي، ورداً على هذه الضغوط من جانب الأسواق، خرج قطاع التمويل بالمزيد من الخطط المحكمة لكسب الأموال غير المستدامة.
قد لا نكون قد بلغنا هذا الحد مع الشركات التكنولوجية العملاقة حتى الآن، ولكن مع تقييمات الأسهم التي تواصل الارتفاع المطرد، سوف تستشعر الشركات التكنولوجية الضغوط نفسها التي عانى منها «وول ستريت» قبل عشر سنوات. وعندها، لا بدّ من توقع انهيار مماثل للنظام البيئي التكنولوجي.
بالاتفاق مع «بلومبيرغ»