جون سفاكياناكيس
خبير مصرفي فرنسي
TT

السعودية وسياسة التوازن الاقتصادي

لقد صارت السعودية واحدة من أفضل الاقتصادات أداء بين مجموعة العشرين في السنوات الأخيرة، ففي عام 2013، توقع الخبراء أن يحقق القطاع الخاص غير النفطي نموا قويا على الرغم من حدوث انخفاض في ناتج النفط وتباطؤ نمو القطاع الخاص غير النفطي الذي من المتوقع أن يؤدي إلى تباطؤ في الناتج المحلي الإجمالي بشكل عام إلى 4.3 في المائة مقارنة بنسبة 5.1 في المائة في عام 2012. وتعد المخاطر المتعلقة بالنظرة المستقبلية للنمو متوازنة وترتكز على النظرة المستقبلية لسوق النفط في ضوء تنفيذ الحكومة لبرنامج إصلاح داخلي. وتتسم الديموغرافيا السكانية السعودية بوجود نسبة كبيرة من صغار السن. وسيستمر تزايد عدد السكان في السعودية بشكل كبير في السنوات المقبلة. ومع وصول هؤلاء السكان الشباب والمثقفين بشكل متزايد لسن العمل، تكون هناك فرصة كبيرة لتعزيز النمو ورفع مستويات المعيشة بشكل أكبر.
من المؤكد أنه ستظهر بعض التحديات تتمثل في خلق فرص عمل وتوفير الاحتياجات السكنية وإدارة عملية الطلب على الموارد الطبيعية للدولة. وفي هذا الصدد، يجري تنفيذ الإصلاحات لمواجهة هذه التحديات والحفاظ على النمو القوي للقطاع الخاص في ضوء تقليص الإنفاق الحكومي، بما في ذلك الإصلاحات المتعلقة بمجالات خلق فرص العمل والإسكان وتطوير البنية الأساسية، والدعم والتمويل المتزايدان لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وتعد الاستثمارات في مجال التعليم ملائمة لتعزيز مهارات السعوديين، بيد أن جودة التعليم تحتاج إلى مراقبة دقيقة، بينما يجري تطوير سياسات سوق العمل لزيادة نسبة التوظيف بين المواطنين السعوديين (بما في ذلك المرأة) في القطاع الخاص. ويمكن أن تساعد المشاورات مع أصحاب العمل بالقطاع الخاص في التعامل مع أي تأثير للاقتصاد الكلي على إصلاحات سوق العمل. بيد أن التغييرات التي طرأت على توفر العمالة الأجنبية من الممكن أن تؤدي إلى حدوث فترات تقل فيها العمالة المتاحة في السوق، مما يستلزم وجود تنسيق مع سياسات الاقتصاد الكلي. وفي الوقت نفسه، سيكون من المهم تقليل الاعتماد في الاقتصاد على وظائف القطاع العام. وفي ضوء ارتفاع نسبة استهلاك الفرد للطاقة إلى أعلى المستويات عالميا.
تنتهج الحكومة عددا من السياسات الرامية إلى تحسين عملية الحفاظ على الطاقة وتطوير مصادر الغاز والطاقة الشمسية. وعلى الرغم من ذلك، فهناك ضرورة للتعديل التصاعدي لأسعار الطاقة بمرور الوقت من أجل كبح زيادة الاستهلاك.
وعلى الرغم من ذلك، فإن أي زيادة في أسعار الطاقة سيكون لها تأثير عكسي على الفقراء والفئات المعرضة للتضرر من تلك الزيادة، مع الحاجة إلى التنفيذ المناسب للإجراءات التعويضية. وستحتاج الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة إلى مزيد من الوقت لتعديل إنتاجها وهيكل التكاليف الخاص بها لتستطيع البقاء في المنافسة. تشير التجربة الدولية بخصوص الإصلاحات المتعلقة بأسعار الطاقة إلى أن تعديل تلك السياسة سيحتاج إلى التخطيط الجيد والتنفيذ على مراحل والشرح الواضح والتواصل مع السكان والشركات. ومن المهم بشكل أساسي ألا تتأثر الفئات ذات الدخل المنخفض بأي تغييرات من هذا القبيل، مع ضرورة تنفيذ إجراءات لتعويضها في مقابل ارتفاع الأسعار. وتبدو أطر السياسة المتزنة للاقتصاد الكلي مناسبة في الوقت الحاضر. وإذا ظهرت إشارات في ما يخص الضغوط المتعلقة بالتضخم، فإما أن تكون هناك حاجة إلى التباطؤ في مشروعات الإنفاق الرأسمالي أو تقييد السياسة المتزنة للاقتصاد الكلي، أو الأمرين معا. ومن المتوقع، على المدى المتوسط، أن ينخفض العجز المالي للقطاع غير النفطي في ضوء التقليل التدريجي في الإنفاق على البنية الأساسية، بيد أن سياسة اتباع الإجراءات في ما يخص جانب الريع والإنفاق ستحتاج أيضا إلى المزيد من التعزيز للوضع المالي وزيادة المدخرات لأجيال المستقبل.
وعلى صعيد آخر، كانت السعودية من أوائل الدول التي تنفذ معايير «بازل 3» الخاصة برأس المال في النظام المصرفي الذي بقي ممولا جيدا مع وجود سيولة وتحقيق للربح. وفي ضوء تمرير قانون الرهن العقاري، يجري تنفيذ إطار عمل تشريعي ورقابي بالشكل الملائم للمؤسسات غير المصرفية التي تدخل السوق. وبالإضافة إلى ذلك، سيكون من الضروري إجراء تطوير إضافي لمؤشر أسعار جدير بالثقة بالنسبة للإسكان من أجل المساعدة في رصد التطورات في قطاع الإسكان في ما يتعلق بالتعرض لمخاطر الزيادة في سوق الرهن العقاري.