صالح القلاب
كاتب أردني. وزير إعلام ووزير ثقافة ووزير دولة سابق، وعضو سابق في مجلس أمناء المجموعة السّعوديّة للأبحاث والتّسويق.
TT

«حماس» والوحدة الفلسطينية وما قاله أبو عمار قبل سنوات بعيدة!

حتى بعد توقيع اتفاق القاهرة الأخير بين حركتي «فتح» و«حماس» فإن كبار المسؤولين الفلسطينيين وفي مقدمتهم الرئيس محمود عباس (أبو مازن) ما كانوا مطمئنين إلى تنفيذ هذا الاتفاق، وبخاصة أن القائد الأول لحركة المقاومة الإسلامية، الذي أزاحه خالد مشعل عن موقعه هذا، موسى أبو مرزوق قد فاجأ من وقّعوا بما تم التوقيع عليه، بينما ما زالوا يتبادلون العناق، بتصريح «محبط» قال فيه إن حركته قد ظُلمت بهذا الذي جرى، وإنه لا يتوقع النجاح لهذه المصالحة التي هي ليست الأولى على مدى سنوات متعددة طويلة.
ولعل ما عزز الشكوك لدى كبار قادة حركة «فتح» ولدى الذين تابعوا «حفلة» تبادل العناق بين الذين وقّعوا اتفاق القاهرة آنف الذكر، من فلسطينيين وعرب ومن المعنيين بالوضع الفلسطيني في أربع رياح الأرض، أنه بينما كان «الفتحاويون» و«الحمساويون» يواصلون حواراتهم في العاصمة المصرية للتوصل إلى هذا الاتفاق، كانت هناك اجتماعات تجري في طهران وفي دمشق وأيضاً في ضاحية بيروت الجنوبية، وفي خطٍّ مواز بين رموز التيار المتشدد في حركة المقاومة الإسلامية، وبين مسؤولين معنيين في المخابرات الإيرانية والسورية، وأيضاً مخابرات «حزب الله» وحسن نصر الله.
ولهذا فإن أصحاب التجارب المُرة في مسيرة التقارب والتباعد، المُرة حقاًّ، بين «فتح» والفصائل الفلسطينية الأخرى، وأيضاً في مقدمتهم الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، قد راودتهم مخاوف جدية من أن يكون مصير اتفاق القاهرة كمصير اتفاق مكة في عام 2007، الذي انهار قبل أن يجف الحبر الذي كُتب ووقِّع به، والذي ثبت أن إيران، ومعها نظام بشار الأسد ودولة عربية صغيرة عُرفت بأنها تحت وطأة حبّ الظهور، هي التي أحبطته وهي التي فرضت على «الأخ» خالد مشعل أنْ يتراجع عمّا وقّعه... لا يلوي على شيء!
وهنا، وللحقيقة، فإن كثيرين إنْ في «فتح» وإنْ في غيرها قد راودتهم الشكوك وهم يرون أن قادة «حماس» المتنفذين وبخاصة هنية والسنوار، مندفعون أكثر من اللزوم لتوقيع اتفاق القاهرة المشار إليه آنفاً، وأنهم لشدة اندفاعهم وحماسهم قد وافقوا على كل ما طلبه الطرف الآخر منهم، بما في ذلك ما تراجعوا عنه لاحقاً كـ«المعابر» و«السلاح» و«الأجهزة الأمنية» و«الموظفين»، ولعل ما أكد أن شكوك هؤلاء كانت موضوعية، إطلاق موسى أبو مرزوق التصريح الذي أطلقه وتحدث فيه عن أن في هذا الاتفاق، أي اتفاق القاهرة، ظلماً كبيراً لحركته، ولهذا فإنَّ مصيره سيكون الفشل... وهذا هو ما حصل وما اتضح وخلال أيام قليلة.
وهكذا فإن البعض يرى أن مشكلة «حماس» بالنسبة إلى المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية، وقبل ذلك بالنسبة إلى التحاقها بمنظمة التحرير بعد الإعلان عن نفسها في عام 1987، أي بعد 5 أعوام من إخراج الفلسطينيين كحركة مقاومة مسلحة من بيروت، هو ارتباطها التنظيمي والسياسي و«العقائدي» بالإخوان المسلمين، وبالتالي بالتنظيم العالمي لهذا التنظيم الذي كان قد أطلقه حسن البنا في مصر عام 1928، ولظروف وأسباب حامت ولا تزال تحوم حولها، إنْ ليست شبهات فـ«تساؤلات» كثيرة، بعضها لا يزال يتردد ويُطرح حتى الآن، أي بعد تسعة وثمانين عاماً!
كان من المفترض أن يكون الإخوان المسلمون أول الملتحقين بـ«فتح» التي كانت قد أطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة في الفاتح من عام 1965، وبخاصة وقد تردد في ذلك الوقت المبكر أنَّ القادة المؤسسين، الذين شكّلوا حركة التحرير الوطني الفلسطيني، والذين أطلقوا شرارة هذه الثورة «إخوانيون»، والمقصودون هنا هُمْ ياسر عرفات (أبو عمار) وخليل الوزير (أبو جهاد) وصلاح خلف (أبو إياد)، وحقيقةً إنَّ هذا غير صحيح على الإطلاق، وإن كل ما في الأمر أنه كان لهؤلاء علاقات ليست تنظيمية مع هذا التنظيم الإخواني في غزة، وإنَّ باقي مؤسسي هذه «الحركة» ذوو اتجاهات قومية – ناصرية، وبعضهم من المحسوبين على حزب البعث، الذي كان في ذروة تألقه في تلك المرحلة التاريخية المفصلية والمهمة.
وهكذا، ومرة أخرى، فإن الإخوان المسلمين بقوا ينأون بأنفسهم تنظيمياً عن «فتح» وعن المقاومة الفلسطينية وعن منظمة التحرير، ولعل ما تجدر الإشارة إليه أن «إخوان» الأردن، تحت ضغط قواعدهم، قد «ألحقوا» بعضهم بحركة التحرير الوطني، أي بـ«فتح»، حيث أُقيم لهم معسكر في أحد الأودية العميقة بالقرب من مدينة إربد الأردنية، وبقوا هناك من دون المشاركة في أي عملية فدائية حتى إخراج الفدائيين الفلسطينيين من الأردن في عام 1970. وحيث عادوا إلى وظائفهم وبيوتهم سالمين يتباهون بأنهم كانوا محايدين في ذلك الصدام المؤلم للطرفين بين الحكومة الأردنية والحركة الفلسطينية.
في كل الأحوال، لقد كان مستغرباً أنْ ينأى الإخوان المسلمون بأنفسهم عن المسيرة الثورية الفلسطينية بينما التحق بها البعثيون والقوميون العرب... وأيضاً الشيوعيون، إنْ لفترة قصيرة ومحدودة، ولعل الأغرب أنهم قد اندفعوا، اندفاعة واحدة، بعد إخراج «فتح» وباقي فصائل المقاومة وبعد نحو 5 أعوام، أي في عام 1987. أعلنوا انطلاقة «حماس» من قطاع غزة وابتعدوا بها عن منظمة التحرير، كما هو عليه الوضع الآن، رغم أنَّ (أبو عمار) بقي يطاردهم براية وحدة العمل الفلسطيني من عاصمة عربية إلى أخرى، منذ ذلك الحين وحتى رحيله، رحمه الله، في عام 2005.
لقد ثبت بانقلابها الدموي على «فتح» ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية عام 2007 في غزة، أن «حماس»، بقرار من التنظيم العالمي لـ«الإخوان» المسلمين، وبدعم من إيران ومساندة من قطر، قد قطعت الشك باليقين، وأنها ليست لا تريد دخول الأُطر الفلسطينية فقط، بل إنها ترفض كل هذه الأطر، وإن هدفها هو الانفراد بالحكم، وإنها لا تزال حركة إخوانية كما بدأت، والدليل هو مساندتها سابقاً وربما لاحقاً للإرهاب، الذي بدأ يضرب مصر منذ الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي وحتى الآن... حتى هذه اللحظة.
وهكذا، وفي النهاية لا بد من الاستشهاد بما كان قاله «أبو عمار» قبل سنوات بعيدة، إذْ انعقد اجتماع بمبادرة من القائد الإخواني السوري عدنان سعد الدين وفي منزله، بينه، أي بين الرئيس الراحل ياسر عرفات ومعه سفير فلسطين في عمان في ذلك الحين الطيب عبد الرحيم وكاتب هذه السطور، وبين خالد مشعل واثنين من قادة «حماس»، وبعد لقاء صاخب استمر نحو 3 ساعات قال الرئيس الفلسطيني وهو يهمّ بالخروج والمغادرة موجهاً كلامه إلى رئيس حركة المقاومة الإسلامية: «إننا سنعطيكم نصف (عدد) الأعضاء في المجلس الوطني المخصص للفصائل الفلسطينية... فكّروا في الأمر وأبلغوني».
وبعد انطلاق السيارة التي كانت تقلّه سألته بشيء من العتاب: كيف تعطيهم كل هذا العدد الذي في المجلس الوطني، الذي يقرّ كل السياسات الفلسطينية؟ قال وهو ينظر إلى الخلف من مسند مقعده الأمامي إلى جانب السائق: «كبِّر عقلك يا حبيبي... والله لو أعطيتهم كل أعضاء هذا المجلس لما التحقوا بمنظمة التحرير... إن لهم موالاً آخر، وستأتي الأيام التي سنتذكر فيها هذا الكلام»... «والله على ما أرويه شهيد، وكذلك الأخ الطيب عبد الرحيم».