مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

تجديد الفراش والوقوع في المصيدة

يلفت نظري عندما أذهب إلى مصر أو اليونان أو إسبانيا، وأتجول تحديداً في المناطق الشعبية، كثرة النساء العجائز الأرامل، وأعرفهن لأول وهلة من توشحهن بالملابس السوداء، أما في دول الخليج فيتعذر عليّ ملاحظة ذلك، لأن العباءات السوداء تغطي الصبايا والعجائز معاً، كأنهن كلهن أرامل.
هذه مقدمة لكي ألخص مناقشة لي مع طبيب نسائي، أثبتُّ له أنا وأكد لي هو كذلك أن النساء أطول أعماراً من الرجال.
والعجيب أنه في لحظة الحمل ذاتها يفوق عدد الأجنّة الذكور عدد الإناث بنسبة 110 إلى 100. وتهبط هذه النسبة وقت الولادة إلى 105 صبيان لكل 100 بنت، وفي سن الثلاثين يبقى عدد الرجال مساوياً عدد النساء، ومن ثم تزداد نسبة النساء باطراد، وبعد الثمانين يصبح عدد النساء ضعفي عدد الرجال.
وقبل قرن كان الرجال يفوقون النساء عدداً ويعمِّرون أكثر منهن، وفي القرن العشرين بدأت النساء يعمِّرن أكثر لسبب رئيسي هو تقلص أخطار الحمل والولادة، وأخذت الهوّة تتسع باطراد.
والرجال يخاطرون بحياتهم أكثر من النساء، ويُقتل الرجال على أيدي رجال آخرين عادةً، بنسبة تفوق ثلاثة أضعاف مقتل النساء، وحوادث انتحارهم تتعدى حوادث انتحارهن، وتزور النساء الأطباء ويتناولن أدوية موصوفة وغير موصوفة ويلازمن الفراش بسبب المرض أكثر مما يفعل الرجال.
ولم أصبر فطرحت على الطبيب سؤالاً أقضّ مضجعي: وماذا عن الصحة العقلية يا رعاك الله؟!
فقال: إن الكآبة والانهيار العصبي شائعان لدى النساء أكثر منهما لدى الرجال، ولكن الفصام هو أكثر تأثيراً ووقعاً في الرجال منه في النساء، وربما كان الفصام أقسى أنواع الأمراض العقلية.
غير أن الزوج إذا فقد الزوجة تكون حاله أسوأ من حال الزوجة إذا فقدت زوجها، فالرجال الأرامل يغرقون في الكآبة أكثر من النساء، أما الزوجات المترملات فغالباً ما تكون لهن حلقة من الصديقات يثقن بهن ويجدن لديهن السلوى.
فقاطعته قائلاً: قد يكون ذلك صحيحاً في بعض المجتمعات، أما عندنا فسرعان ما يتكالب الرجال على الأرمل ويحرضونه على (تجديد فراشه)، وسرعان ما يقتنع الأهبل ليقع في المصيدة مرة أخرى.
ضحك الطبيب من كلامي ثم ذكر لي أن زميلاً له اختصاصي أذن وأنف وحنجرة، قال: أتاني رجل لكي أعالج سمعه، وبعد الفحوصات الشاملة وجدت أن سمعه سليم 100 في المائة، وسألته عن سبب طلبه، فقال لي: إن زوجتي أرسلتني إلى هنا بحجة أنني لا أسمع ولا حتى كلمة من كلماتها.
عقّبتُ على الطبيب قائلاً: هذا هو واقع الزوجة التي (ليس لها حل)، سواء كانت فوق التراب أم تحته.