حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

عالمية الرسالة!

لم يعد سراً ولا خافياً على أحد أن معاناة شعوب المنطقة هي انغماسها في ماضيها وإهمال حاضرها؛ وبالتالي نسيان كل ما يتعلق بمستقبلها، وكان من نتاج ذلك التعلق تقديس شخصيات بشرية عادية بأنها لديها العلم الحصري، وأن كل ما هو دون ذلك لا يمكن الأخذ به، وأنه بالتالي هرطقة وفسق وابتداع وزندقة.
اليوم يمر على الرسالة المحمدية؛ على صاحبها أزكى صلاة وأطهر سلام، أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان. واليوم، ونحن في القرن الحادي والعشرين، تواجهنا مجموعة من الوقائع، وسلسلة من الحقائق لا يمكن إنكارها، ولكنّ هناك سؤالاً ملحّاً وفي غاية الأهمية: أين علامات «العالمية» في الرسالة المحمدية؟ هذا السؤال في غاية الخطورة، وفي صلب الموضوع الإشكالي، فالتراث الفكري الذي وصل إلينا بالتواتر محصور في تركيبة ثقافية تخاطب نفسها وتكرّس المناطقية التي خرجت منها، وهذا التراث قدم الإرث الديني للرسالة مختصراً في بني العرب، ولا يرى من البشرية سوى جزيرة العرب، والتاريخ بالنسبة لهذا التراث هو زمن النبوة، ولا يرى من الخلق والخلائق إلا حفنة عاشت في تلك الحقبة.
التحدي الكامن أمام المسلمين هو الانتقال إلى خطاب العالمية في الرسالة المحمدية، وهي المسألة التي تم إنكارها عملياً لعقود من الزمن، وتم بالتالي تقديس قرارات فقهية بشرية وآراء وفتاوى واجتهادات محدودة، على حساب الخطاب الإنساني العالمي البشري الذي جاءت له الرسالة المحمدية. وهذه الإشكالية هي التي ولّدت التطرف والتشدد والتنطع في الآراء، لأنها بنيت على نظرة ضيقة ومحدودة اختزلت الرأي الشرعي في إطار يحدده الزمان والمكان، وذلك خلافاً للأساس الذي بنيت عليه القاعدة المؤسسة للرسالة المحمدية، وهي أن هذا الدين صالح لكل زمان ولكل مكان.
أستغرب جداً اختزال «دور» رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث رُويت عنه، وعدم أخذ سيرته وسنّته الفعلية في كثير من الأحكام، والتركيز على الوصف الإلهي لشخصه العظيم في مديح أخلاقه وأنه رحمة مهداة للعالمين، وفي هذا الأمر مسائل كثيرة من الممكن البناء عليها في فلسفة التعامل مع الآخرين، والأخذ بأفعاله والأوامر القرآنية من قبلها، وهي جميعها تجعل من الفتاوى «الجدلية» التي باتت مقدسة ومطبقة مع مرور الأيام، لا مكان لها وسط المجتمعات المسلمة بحق اليوم.
عالمية الرسالة المحمدية موجودة أدلتها في الخطاب الإلهي للبشرية، وعلامات ذلك واضحة؛ وكون المجتهدين من الفقهاء ارتأوا اختصار ذلك الأمر في أقوام معينين وفي أمكنة معينة، فذلك لا علاقة له بالدين نفسه، وبالتالي يجب ألا يتحول إلى مسألة تستدعي القداسة وتمنحه المكانة الخاصة والعصمة من الخطأ.
بالنسبة للعالم الإسلامي وخطابه «التجديدي»، تكمن الإشكالية والتحدي الرئيسي في كيفية الخروج من معضلة الحوار مع النفس، وهي التي كانت تشغله وتقيده طوال الفترات الزمنية التي مضت، والانفتاح بثقة بخطاب قيمي موجه للعالمين بلا استثناء؛ خطابٍ قرآني لرسالة محمدية موجهة حقاً للعالمين. هناك فارق هائل بين الفكرتين، ونحن بحاجة للتحرر من القيود المفروضة نتيجة «تقديس» لإرث بشري، حتى نرى عالمية الرسالة المحمدية ونعطيها حقها.