مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

ذهبت السكرة وجاءت الفكرة

كتب السفير المصري علاء الحديدي في جريدة «الشروق» مقالاً بعنوان «لماذا تقدمت كوريا وتأخرت مصر»؟!، وأورد ملاحظات يرى أنه من الممكن الاستفادة منها في فهم تقدم كوريا من أفقر دول العالم في بداية الستينات بمتوسط دخل الفرد السنوي من 65 دولاراً فقط، إلى متوسط دخل الآن يبلغ 36,600 دولار (!!).
وسوف تتضح له الصورة أكثر لو أنه قرأ كتاباً ألفه أمير مصري عندما أورد فيه انطباعاته عن كوريا، عندما زارها في عام 1902، وكيف أنها كانت ممتلئة بالأوحال والأمراض والفقر والجهل، وليس فيها مطبوعة واحدة.
في حين أنه في عام 1898 كان في مصر قرابة 170 صحيفة، ووصلت بعد عشر سنوات إلى 280 وكانت تعبر عن آراء اجتماعية وثقافية.
هذا التطور الفكري مهد الطريق لتكوين الأحزاب السياسية التي بدأت عملياً عام 1907، لتشمل أحزاباً يمينية ويسارية ووسطية، وتطور معها حراك وطني ينادي ويطالب بالاستقلال.
ومنذ عهد محمد علي باشا حتى نهاية الملكية (الفترة ما بين 1850 حتى 1952) حققت مصر خلالها إنجازات عديدة، ففي يوليو (تموز) 1913 افتتحت فيها أول محطة لتوليد الطاقة الشمسية المركزة في العالم، وأصبحت بورصة (مينا البصل) في الإسكندرية هي الأولى عالمياً في إنتاج القطن، وبورصتا الإسكندرية والقاهرة في المركز الرابع عالمياً، وكانت الإذاعات العالمية تردد في نشراتها الإخبارية عبارة شهيرة آنذاك وهي (مصر تنتج والعالم يستهلك).
وكان الجنيه المصري وقتها يساوي أربعة دولارات، والقاهرة تفوز بمسابقة أجمل مدينة في العالم، والإيطاليون واليونانيون كانوا يعملون حلاقين وغرسونات في مصر، وكانت آخر خطوط الموضة تنزل في القاهرة بالتزامن مع باريس، وكانت مصر في نهاية الأربعينات تملك أكبر غطاء ذهبي في العالم، إلى درجة أنه وفي عام 1946 تقدمت أميركا تطلب من مصر لتمنح معونة مالية إلى اليونان وإيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية، كما أقرضت بلجيكا بعد الحرب العالمية الأولى 500 ألف فرنك فرنسي لإنقاذ الشعب البلجيكي من الفقر.
وربما لن يصدق البعض أن صحيفة «الأهرام» نشرت عام 1950 خبراً مفاده أن دولة أوغندا طلبت من الملك فاروق الانضمام إلى مصر لكي تنقذها من المجاعات.
سؤالي هو: هل مصر تقدمت بعد ثورة 1952 أم تأخرت؟!، الإجابة على الواقع تكاد تكون محسومة.
ولكي لا نظلم مصر فـ(وباء) الانقلابات العسكرية – إن جاز التعبير – هو الذي عصف وعبث بالكثير من الدول سواء كانت العربية أو كانت في أميركا اللاتينية، ولا يمكن أن ننسى أيضاً ما يسمى بالصحوة والإخوان، وكذلك الحركات الإرهابية التي زادت الطين بلة.
والآن، الآن فقط: ذهبت السكرة، وجاءت الفكرة، وما على المضطر إلاّ ركوبها.