د. أحمد عبد الملك
كاتب واكاديمي قطري
TT

الروليت الروسي في عيون (الخليجي)!

في الوقت الذي طالبت فيه عدة أطراف دولية بالالتفات إلى معاناة الشعب السوري – التي امتدت لأكثر من عامين – جرى قتل نحو 100 ألف شخص وتشريد الملايين إلى المنافي إثر تصدي السلطات السورية للمتظاهرين المنادين بالكرامة.
وفي الوقت الذي شاهد العالم «تردد» الولايات المتحدة في اتخاذ قرار توجيه ضربة رادعة للنظام السوري جراء استخدامه السلاح الكيماوي ضد شعبه..
وفي الوقت الذي انقسم فيه «الكونغرس» الأميركي على نفسه، ولم يحصل الرئيس الأميركي (باراك أوباما) على أرجحية لقراره توجيه ضربة إلى النظام السوري...
في هذا الوقت، ولدت المبادرة الروسية، في مناخ امتلأ بالشكوك حول اتفاق (موسكو) و(واشنطن) على «تخريجة» سياسية، لربما تجنب الولايات المتحدة «إثم» ضرب سوريا، لكنها في ذات الوقت «تريح» إسرائيل بوضع الأسلحة الكيماوية السورية في قبضة الأمم المتحدة، وحرمان سوريا من استخدامها إلى الأبد! ولقد تلقفت سوريا هذه المبادرة بيد «الامتنان»، وقام وزير الخارجية السوري (وليد المعلم) بالترحيب الجم بالاقتراح الروسي فرض رقابة دولية على الأسلحة الكيماوية في سوريا.
ويبدو أن الروس قد نجحوا في استخدام لعبة (الروليت الروسي)، ولكن من دون أن «يحشوا» المسدس بأي رصاصة - كما تفرضها اللعبة - وهذا ما يجعل رأس (الأسد) هانئا وغير قابل للمساس، في الوقت الذي «تتوتر» رؤوس الآخرين، حتى البعيدين عن القضية السورية.
وفي ذات الوقت، برزت «معالم جديدة على الطريق»، وما لاحظه العالم من تغيير وزير الخارجية الأميركي (جون كيري) من لهجته بشأن توجيه ضربة عسكرية إلى النظام السوري، وحصر الموضوع كله في الأسلحة الكيماوية، الأمر الذي يجعلنا نقترب من «شك اليقين» بأن «طبخة» روسية - أميركية تعد على نار هادئة، خصوصا بعد «تحذيرات» روسية من أن زوال نظام (الأسد) - الذي يمسك العصا فوق رؤوس شعبه ولا يزعج جيرانه أو أعداءه - قد يؤدي إلى بروز نظام جديد متشدد، ويمثله (التيار السلفي)، الشبيه بنظام الإخوان المسلمين في مصر، ولربما يؤدي إلى المزيد من التطرف، بل وتهديد أمن إسرائيل ومصالح روسيا والولايات المتحدة.
مما لا شك فيه أن مصداقية الرئيس الأميركي قد أصبحت على المحك! وإن النية قد اقتصرت على تجريد سوريا من السلاح النووي، وتأهيل (النظام) ليكون ندا ضعيفا – أو لربما حصانا مكسورا – على طاولة (جنيف) المرتقبة، وبالتالي تفرض الأطراف الدولية المؤثرة أجندتها وتصوراتها لإنهاء النزاع المسلح، لربما بما لا يمكن رهن سوريا في يد المتشددين. وإن كان هذا التصور صعب التحقيق على الأرض.
في هذا الوقت، صدر بيان مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بعد الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية - في جدة - معتدلا هو الآخر. وجاء البيان بلهجة «توفيقية» كالتالي:
«الإعراب عن القلق من تفاقم الأزمة السورية وتأثيراتها على الأمن والاستقرار الإقليمي، وما يتعرض له الشعب السوري من انتهاكات خطيرة...»، و«تأييد الإجراءات الدولية التي يمكن أن تتخذ لردع النظام السوري».
ويرى الشارع الخليجي أن لهجة (التعاون) لم ترقَ إلى مستوى الحماس الذي جرى شحن أبناء المنطقة به، من أن الضربة ضد النظام السوري قادمة لا محالة، خصوصا مع تكرار البيانات الأميركية، وتصريحات المسؤولين الأميركيين بأن الضربة واقعة لا محالة. كما أن بيان التعاون «المعتدل» لم يرقَ إلى لهجة بيان سابق للأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الدكتور عبد اللطيف الزياني الذي قال فيه: «وأكد (الأمين العام) ضرورة اتخاذ مجلس الأمن قرارا رادعا وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لإنقاذ الشعب السوري من المجازر المستمرة والمروعة التي يتعرض لها على يد قوات نظام (الأسد)، مستنكرا دعم بعض الدول والأحزاب لهذا النظام الظالم الفاقد للشرعية». (بيان من الأمانة العامة – 12-8-2013)
معلوم أن الفصل السابع من الميثاق به 13 مادة عن الخطوات الواجب اتخاذها فيما لو جرى التعرض للسلم والإخلال به، بما في ذلك وقف العلاقات الاقتصادية والمواصلات - بكافة أشكالها، وقطع العلاقات الدبلوماسية عن البلد الذي يوضع تحت هذا البند. كما أن المادة (42) تنص على اتخاذ إجراءات عسكرية (جوية، بحرية، برية) وما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي.
فما الذي جرى في (الأجواء الخليجية) كي تخفف لهجة (الخليجي) من حدة حماسها لتوجيه ضربة عسكرية قاصمة للنظام السوري لربما أدت إلى سقوطه؟ وهل نجح الإعلام الروسي في نشر رؤيته المتعلقة بالتمسك بالسلام الدولي من جهة، والتزامه «الأخلاقي» في دعم النظام السوري، حليفه الأقوى في المنطقة؟ في الوقت الذي تراجعت أسهم «الصقور» في الإدارة الأميركية و(الكونغرس)!
وهل لاحظ (الخليجي) التردد الأميركي نحو توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، فقام هو الآخر بالضغط على «مكابح الجموح»، مستذكرا ما جرى في العراق عام 2003؟ ويدور حوار جديد الآن حول «تمويل» الفرق الدولية لنزع الأسلحة الكيماوية في سوريا، قد تكون دول (الخليجي) من أهم المساهمين في ذلك!
أسئلة تحتاج إلى تفسير، رغم وضوح الرؤية لدى الشارع الخليجي تجاه الموقف السوري، وضرورة رحيل النظام، بل وعقابه عما ألحقه بشعبه من قتل ودمار وانتهاك للكرامة.