زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

الفراعنة يعيدون آثار بيرو المسروقة

قبل أن أسافر إلى بيرو للمرة الثانية تذكرت قصة طريفة تُظهر كيف أن الفراعنة قد ساعدوا بيرو في عودة آثارهم المسروقة... وترجع هذه القصة إلى وقت ما قمنا به من عمل لعودة آثارنا المسروقة، وقد وصل عدد ما قمنا باسترداده إلى 6 آلاف قطعة أثرية، وقد كان لهذا المجهود صدى في العالم كله، ومن آثار ذلك كان اختياري عن طريق مجلة «التايمز» الأميركية واحداً من مائة شخصية عالمية مؤثرة في العالم؛ لأننا لاحقنا لصوص الآثار في كل مكان، وطالبنا بعودة آثار لم يكن هناك أحد يجرؤ على المطالبة بها! فقد حدث منذ عقود أن طالب أحد رؤساء الآثار السفير الألماني في القاهرة بعودة رأس «نفرتيتي» من برلين؛ وفي اليوم التالي تمت إقالته من منصبه.
وقامت جامعة ييل بأميركا باستعارة آلاف من القطع الأثرية المستخرجة من الموقع الأثري الشهير في بيرو «ميتسو بتشو»، وهو موقع يصل في شهرته إلى الأهرامات... وحاولت حكومة بيرو استعادة هذه الآثار دون جدوى، وكانت حجة جامعة ييل أن بيرو لن تحافظ على هذه الآثار مثلها، وظلت هذه الآثار داخل الجامعة طوال مائة عام... وظلت حكومة بيرو بكل الطرق الدبلوماسية والمراسلات تطلب عودة هذه الآثار دون جدوى. واتصل بي سفير بيرو في القاهرة في ذلك الوقت يطلب تحديد موعد مقابلة معي ووزير خارجية بيرو. وفعلاً وصل الوزير وحكى لي قصة آلاف من القطع الأثرية التي سُلّمت لجامعة ييل منذ نحو مائة عام والجامعة ترفض أن تعيد لهم الآثار! وقلت للوزير بالحرف الواحد: «أرجو أن تكتب الخطوات التي سوف أُمليها عليك، وإذا نفذتَها، فسوف تُعاد الآثار إلى بيرو خلال ساعات فقط...»، وقلت: «عندما تصل إلى بيرو وتحصل على موافقة من رئيس الجمهورية، فأرجو أن يعلن مكتبك أنك سوف تعقد مؤتمراً صحافياً عالمياً في بيرو بخصوص الآثار الموجودة في جامعة ييل... وخلال المؤتمر الصحافي أرجو أن تعلن موضوع الآثار وكيف خرجت من بيرو، وبعد ذلك تعلن أن الحكومة قررت أن ترفع قضية ضد رئيس الجامعة، وذلك في بيرو وفي مدينة ييل حيث توجد الجامعة...»، وقلت لوزير الخارجية: «يجب أن تعلن باسم رئيس الجامعة»، وقلت: «بعد ساعة واحدة من هذا المؤتمر سوف تتصل بكم الجامعة لتعلن استعدادها لعودة آثاركم»... وأضفت أن أي رئيس جامعة في أميركا يود أن يحافظ على اسمه نظيفاً بعيداً عن القضايا. وفعلاً بعد المؤتمر اتصلوا بحكومة بيرو وعادت الآثار لبلدها، وهم لا يصدقون ما يحصل... ودعوت المسؤولين في وزارة الثقافة لحضور المؤتمر الأول لاستعادة الآثار المسروقة الذي عقد في القاهرة وحضره أكثر من 30 دولة، وبعد ذلك عُقد المؤتمر الثاني في بيرو عام2011، ودعتني الحكومة لحضور المؤتمر، وقام رئيس الجمهورية بعمل احتفال ضخم في ميدان عام بجوار القصر الجمهوري، وقلدني وساماً في بيرو هو «وسام الشمس»، وأعلنوا سبب تقليدي هذا الوسام، وأصبحت هذه القصة حديث شعب بيرو، وجاءت الدعوة الثانية لزيارة بيرو خلال شهر يوليو (تموز) الماضي لتكشف عن مزيد من أسرار هذا البلد المثير الغني بتراثه.