خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

بين الدين والحرب

قلما تبوأ علماء الإسلام وفقهاؤه مناصب قيادية عسكرية في التاريخ الإسلامي. بيد أن رجال الكنيسة في أوروبا فعلوا ذلك في مناسبات كثيرة وأصاب بعضهم شهرة عظيمة، ولا سيما في فرنسا.
والغريب أن أكثرهم أبدوا دراية نادرة في فن السياسة والحرب. كثيراً ما جرّت عليهم النقد والسخرية. لا شك أن من أبرزهم كان الكاردينال ريشيليو الذي ترأس الحكومة الفرنسية في النصف الأول من القرن السابع عشر وجر على نفسه الكثير من الفضائح، حتى قالوا إن خادمه فاندي كتب وصيته عندما أدركه الموت في حضور سيده الكاردينال فقال: «إني أوصي بروحي للآخرة وجسمي للأرض وبزوجتي وولدي لسيدي الكاردينال وبابنتي للجميع»، (وكانت ابنته فاجرة مشهورة بفجورها).
تولى شؤون الدولة الفرنسية بعد وفاة ريشيليو الكاردينال مازاران. وأصبح ذلك مدعاة لسخرية الشعراء، فقالوا فيه هذه الأبيات:
قالوا إن الفقيد الكاردينال ريشيليو
رغب في أن يرى الناس في هذه الإمبراطورية
إنه إذا كان هو قد قام بأعمال مشينة
فإن هناك غيره قادر على عمل ما هو أسوأ منها
وهكذا اختاروا مازاران خليفة له!
اعتلت صحة مازاران بشدة في أواخر حياته وتضاربت الأخبار في موته أو حياته. ولكنهم أعلنوا أخيراً في البلاط أن رئيس الحكومة قد أسلم روحه. فصاح أحد رجال الحاشية «أشك شكوكاً كبيرا أن الخالق سيتقبلها».
من رجال الكنيسة الفرنسية الذين تبوأوا أيضاً مناصب عليا في الدولة كان الكونت دي كليرمون الذي شغل أيضاً منصباً كبيراً في سلك الكنيسة. بيد أن الملك كلفه بقيادة الجيش في القتال الجاري في ألمانيا والأراضي المنخفضة، هولندا، وبلجيكا. وهذا العمل يتناقض مع مركزه الديني فاضطر الكونت إلى طلب الإذن من البابا. وبعد أن أذن له بحمل السلاح، وهو غير مستحب بين رجال الكنيسة، بل ومحرم عليهم، قاد الجيش الفرنسي وخاض معركة كريفلند عام 1758. ومني فيها بهزيمة منكرة.
وكالعادة انبرى الساخرون الفرنسيون للتندر على هزيمته. فنظم أحدهم الأبيات التالية:
كان هناك كليرمون رجل الحرب في تلك المعركة
وكان هناك كليرمون رجل الكنيسة فيها
بدا رجل الكنيسة يحارب كعسكري شجاع
وراح الرجل العسكري يحارب كرجل في الكنيسة!
وكان من الإنجليز الذين خلطوا بين السياسة والدين، توماس أسقف كانتربري. ولكن هذا الرجل أخذ الأمور بجدية تختلف عما كان يفعله زملاؤه، فأوقع نفسه في غضب الملك بما انتهى بمصرعه وأصبح موضوعاً لتلك المسرحية الشهيرة التي سماها كاتبها إليوت «مقتل في كاتدرائية».