د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

أوروبا والإرهاب الجديد

شهدت دول أوروبية عدة هجمات إرهابية بالسكاكين في فنلندا وألمانيا وروسيا وعملية دهس في برشلونة بإسبانيا راح ضحيتها أكثر من 35 قتيلاً و100 جريح معظمهم من السياح الأجانب الذين ينتمون إلى أكثر من 25 دولة.
واضح جداً من متابعة طبيعة الجرائم الجديدة في أوروبا بأنها عشوائية غير منظمة... وكل عملية تختلف عن الأخرى مما يدل على أنها ذات طبيعة فردية غير مخطط لها.
المراقبون السياسيون في الغرب والشرق توقعوا أن مرتكبي هذه العمليات الإرهابية قد يكونون من المقاتلين «الجهاديين» العائدين من سوريا والعراق.. التحقيقات الأولية تشير إلى أن مرتكبي العمليات الإرهابية معظمهم من الشباب العرب المسلمين ممن يتبعون العنف باسم الإسلام وليس لهم أي علاقة تنظيمية بأي تنظيم إرهابي مثل «داعش» أو «القاعدة».
الإرهابيون الجدد ليس لهم علاقة بالطائفية أو التزمت الديني لكنهم من الشباب العربي المسلم المليء بالحقد والكراهية للدول الغربية لأنها شاركت في عمليات التحالف الدولي ضد الإرهاب.
السؤال: ما هدف الإرهابيين الجدد في أوروبا؟ وما سبب انتشار إرهابهم أخيراً؟
هنالك أسباب كثيرة لتفشي الإرهابيين الجدد في أوروبا؛ أهمها تزايد الضغط والتصفيات الجسدية لقواعد «داعش» في العراق وضرب قواعدهم جواً في سوريا وملاحقة الإرهابيين في ليبيا واليمن.
هل يعود السبب إلى انفجار الأزمات السياسية في العالم العربي والانهيار السياسي والاقتصادي في أكثر من بلد عربي.. مما دفع بالشباب وتحديداً في شمال أفريقيا إلى الهجرة للغرب بحثاً عن العمل وبدء حياة جديدة مستقرة، لكن الفشل في إيجاد عمل والوصول إلى الإحباط الكبير قد يكون أحد الأسباب إلى الانتحار وقتل الآخرين؟ كل هذه الأسباب لا ترتبط بواقع الإرهابيين الجدد، فمعظم الإرهابيين ولدوا في أوروبا ودرسوا في مدارسها وخلفيتهم الاجتماعية تدل على أنهم ليسوا مؤدلجين أو ينتمون إلى جماعات متطرفة... البعض منهم لديه سوابق إجرامية بسيطة مثل السرقة وغيرها... لكن دخولهم السجون جعلهم يتواصلون مع الجماعات المتطرفة من جماعات الإسلام السياسي مما جعلهم يتعاطفون مع هذه الجماعات ويتلقون منهم الدعم المعنوي أو التمويل المادي. الإرهابيون الجدد يغلفون عملياتهم بقشور تكفيرية لتبرير إرهابهم ضد الناس الأبرياء في الغرب.
الإرهاب الجديد في أوروبا هو إرهاب انتقالي ذو طابع فردي تصعب مواجهته من دون معالجة البنية الاجتماعية الحاضنة التي أنتجته.
يلاحظ المراقب السياسي أن معظم الإرهابيين الجدد تعود أصولهم إلى دول شمال أفريقيا العربية (المغرب - الجزائر - تونس - ليبيا) التي كانت خاضعة للاستعمار الفرنسي أو الإيطالي أو الإسباني... بعد استقلال دول شمال أفريقيا تردت الأوضاع السياسية الاقتصادية في هذه البلدان مما دفع ببعض المواطنين في هذه الدول للهجرة للغرب بحثاً عن العمل والحياة الكريمة المستقرة، وأصبح معظمهم مواطنين صالحين في بلدانهم الجديدة يعملون بإخلاص في تنمية بلدانهم الجديدة تلك حتى إن البعض منهم أصبحوا مسؤولين كباراً في الأحزاب السياسية والبعض منهم أصبحوا وزراء في حكوماتهم الوطنية.
مرة أخرى نتساءل لماذا اتجه الشباب من الجيل الثاني والثالث من أبناء المهاجرين إلى التطرف والإرهاب.. هل السبب يعود إلى عجزهم عن الانصهار في المجتمع الأوروبي أو لتفشي البطالة وعدم إيجاد عمل يليق بهم؟.. أحد الأسباب الرئيسية لتفشي الإرهاب بين شباب المهاجرين العرب المحبط هو تأثرهم بمشايخ الدين المتطرفين الذين لجأوا للغرب هرباً من الملاحقة الأمنية في بلدانهم، بحثاً عن الأمن والسلامة، لكن هؤلاء المشايخ انقلبوا ضد دولهم الجديدة على الرغم من كل المساعدات الاجتماعية التي تدفعها هذه الدول لهم.. والدليل على ذلك ملاحقة الشرطة الإسبانية إمام مسجد مدينة ريبول الكاتالونية عبد الباقي السعدي الذي عاش فيها سنتين ويعتقد أنه المسؤول عن غسل أدمغة الشباب العرب المغتربين ودفعهم لتشكيل خلية «جهادية» - كما يزعم - وهي الخلية المسؤولة عن الاعتداءات في برشلونة... وقد تم قتل هذا الإمام في انفجار قبل عملية برشلونة.
من أهم الآثار السلبية التي يثيرها الإرهاب الإسلامي في أوروبا هو صعود تيارات اليمين المتطرف في أوروبا المعادي للأجانب وغير الأوروبيين بشكل عام... هذه التيارات توجهاتها القومية خطيرة ليس على العرب والمسلمين فقط بل على البشرية ككل.
لقد تمتعت أوروبا والغرب بشكل عام بالأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي تحت أنظمة ديمقراطية تعددية علمانية وليبرالية تروّج لمجتمعات تعددية متسامحة تستقطب المهاجرين من كل البلاد الباحثين عن عمل ويمنحون وطنهم الجديد دفعة جديدة للتطور والرقي الإنساني.
صعود اليمين المتطرف الذي ساعد على وصوله التيارات الإرهابية سيكون أول ضحاياه المهاجرين العرب والمسلمين.
علينا في دول الخليج العربية مساعدة الغرب في منع وصول مشايخ الدين المتطرفين للغرب، والعمل مع الأمم المتحدة ودول العالم المتحضر على نشر قيم التسامح الإنساني والمحبة والسلام بين البشر.