محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

هل كان فرويد خدعة؟

الاختلاف في النطق، كما في الكتابة، بين كلمة Freud وكلمة Fraud ليس شاسعاً. الكلمة الأولى (فرويد) هي اسم عالم النفس الشهير سيغموند فرويد، والكلمة الثانية تُنطق «فرود» (مع الواو، في حركة بينها وبين الألف)، وتعني: محتال.
الناقد الأدبي الأميركي فردريك كروز أصدر كتاباً جديداً حول فرويد، يصفه فيه بـ«المحتال»، وغلاف الكتاب يقترح أنه مع تعديل بسيط في الأحرف نصل، كما يقترح الناقد كروز، إلى حقيقة عالم النفس الشهير الذي استجاب الملايين لدراساته، وتبنتها ملايين أخرى حول العالم.
كلمة «محتال» ليست الوصف الوحيد الذي يستخدمه كروز في وصف فرويد، في كتابه البالغ 762 صفحة، فهو أيضاً «كاذب» و«مزوّر» و«فاسد» و«قاس»، وهو «سفاح في معالجته للمرضى ذهنياً وبدنياً»، و«مهووس جنسي» و«مادي»؛ وبالتالي: «فاسد». وإذا كان ذلك ليس كافياً، فهو على صفحة أخرى: «أسس نظرياته على الافتراضات، وليس على البراهين».
ليس كروز أول من بحث عميقاً في حياة فرويد، وخرج بنتائج سلبية معاكسة تماماً لما انتشر من مفاهيم بعد الحربين العالميتين عنه، من بينها أنه كان يعاقر الكوكايين، بل هناك قول صريح أدلى به فرويد ذات مرّة، إذ وجد هذه المخدرات الفتاكة «دواء عالمياً ضد الكرب»، و«اكتشافاً علمياً عظيماً».
لكن كروز ليس طامع شهرة، وقد أمضى عقوداً من السنين يبحث في معطيات كتابه هذا، كما أن صيته ذاع بين المهتمين بالنقد والعلم معاً منذ أن تصدى لفرويد قبل أكثر من عشرين سنة، عبر سلسلة من المقالات التي، كشأن هذا الكتاب، تصدّت للعالم الشهير. لكن غالب الكتاب جديد، وهو معالج بتفنيد علمي وأدبي مثير للاهتمام بحد ذاته.
بالنسبة إلينا، نحن الطرف الثالث من مثل هذه النزاعات، شكل سيغموند فرويد بالفعل ظاهرة غريبة. حين يذكر أن الدافع للبقاء حياً يشمل كل من يتنفس (بشر وحيوانات وطيور وحشرات)، ويجد أن ممارسة الحب والإنجاب، وتناول الطعام والشراب، والنزوع إلى الدفاع عن النفس، قبل الهجوم أو خلاله، ما هو إلا تأكيد على أن الأحياء يدورون في فلك حب البقاء فقط، فإن ذلك يوحي بكثير من الحقيقة، أو ببعضها على الأقل.
لكن من قال إن عربياً من الصحراء، أو منغولياً من براري الشمال الآسيوي، لم يتوصل في قناعاته التي تستخدم أدوات معرفة بسيطة إلى القناعات ذاتها؟ وإذ أفكر في المسألة على هذا النحو، أجد نفسي أتساءل عن الأسباب الكامنة وراء شهرة فرويد الذائعة! من الذي نصبه حاكماً في علم النفس؟ هل كان مرددوه، من تلامذة ومؤيدين لاحقين، متورطين في خلق أكذوبة؟ هل استحق فرويد المنصب الذي احتله في عالمنا منذ أواخر القرن التاسع عشر؟
يزيد من حدة هذه الأسئلة أن علم النفس الحديث تجاوز كل طروحات فرويد من دون ندم. وبتجاوزه، لم يقع في مطب، أو أقبل على حالة غامضة لم يجد لها حلاً، بعيداً عن تعاليم فرويد. هذه الأسئلة تحتاج لكتاب آخر، ورغم ما يرد في كتاب كروز، فإن فرويد ذكر أشياء كثيرة لها دلالات صحيحة، وعلينا في الوقت ذاته ألا ننحاز ضده كلياً، ودفعة واحدة.