مينا العريبي
صحافية عراقية-بريطانية، رئيسة تحرير صحيفة «ذا ناشونال» مقرها أبوظبي. عملت سابقاً مساعدة لرئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط»، وقبلها كانت مديرة مكتب الصحيفة في واشنطن. اختارها «منتدى الاقتصاد العالمي» ضمن القيادات العالمية الشابة، وتكتب عمود رأي في مجلة «فورين بوليسي».
TT

مقاتلو «داعش» أمام العدالة

بينما تتقدم العمليات ضد «داعش» في العراق وسوريا، ما زالت أسئلة جوهرية تنتظر رداً من المسؤولين عن مستقبل الحملة العسكرية التي دخلت عامها الثالث، والاستراتيجية الأوسع للتصدي للإرهاب. وبالإضافة إلى أسئلة حول إعادة إعمار المناطق المحررة ومحاسبة المسؤولين عن سقوط مدن عربية بقبضة الإرهاب أساساً، هناك تساؤلات حول جدوى الخطط المطروحة لمنع عودة عصابات مسلحة؛ باسم «داعش» أو «القاعدة» أو غيرهما، إلى تلك المناطق أو احتلال غيرها. والرد على تلك التساؤلات يعتمد بشكل كبير على مصير مقاتلي «داعش»؛ من قيادييه ابتداءً بأبو بكر البغدادي، الذي لم يثبت موته بعد، إلى العناصر التي انضمت إلى «داعش» من تنظيمات أخرى. فمع خسارة «داعش» الأرض التي استطاع أن يقول إنها «عاصمة» لخلافته الزائفة، سيكون على «داعش» الإبقاء على المقاتلين في الخلايا النائمة لإبقاء التنظيم على قيد الحياة.
بحلول سبتمبر (أيلول) 2014 قدّرت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) أن تنظيم داعش كان لديه ما بين 20 ألفاً و31 ألف مقاتل منتشرين بين العراق وسوريا، بينما خبراء عسكريون قدروا أن عدد المقاتلين أقرب إلى 40 ألفاً. ولكن بحلول أبريل (نيسان) الماضي، أعلن الجنرال الأميركي ريموند توماس، قائد العمليات الخاصة، أن نحو 60 ألف مقاتل من «داعش» قتلوا في العراق وسوريا. والفرق بين عدد المقاتلين المقدر وجودهم في أرض المعركة وعدد القتلى المعلن عنهم، يعود بدرجة عالية إلى تخبط في تقديرات الاستخبارات، بالإضافة إلى ضم القتلى في صفوف «داعش»، من السوريين والعراقيين. وهناك مخاوف من أن يكون هذا العدد يضم قتلى ليس من المؤكد بعد أنهم جميعاً مسلحون، مع تصاعد تقديرات أعداد المدنيين الذين قتلوا في العمليات.
في الواقع، أي أعداد تعلن عن عدد المقاتلين في صفوف «داعش» مبنية على «نصف معلومة»، ومن الصعب حسمها؛ إذ تعاني وكالات الاستخبارات حول العالم في الحصول على معلومات دقيقة عن التنظيم، كما أن اختراق التنظيم من قبل تلك الوكالات ما زال نادراً. ولكن ما هو مؤكد أن هناك متطرفين ذوي عقلية مقيتة دربوا على السلاح، مصرون على نشر فكرهم ومحاولة بسط سيطرتهم في أي فسحة ممكنة. و«داعش»، مثل «القاعدة»، تنظيم يثبت وجوده من خلال العمليات الإرهابية المعتمدة على جنود مستعدين للتضحية بكل شيء ولا يبالون بنتائج أعمالهم.
أعلنت الحكومة العراقية انتهاء عمليات تحرير تلعفر من عصابة «داعش» يوم الأحد الماضي، وكان حسم العمليات أسرع مما كان متوقعاً. وجزء من سرعة طرد «داعش» من تلعفر يعود إلى قرار السماح للمقاتلين بالخروج من تلعفر، وهو أمر لم يحدث في الموصل التي طالت معاركها أشهراً طويلة، وأدت إلى تدمير المدينة. خروج المسلحين وعدم معرفة مواقع انتشارهم ينذر بعمليات إرهابية مقبلة. وشهدنا يوم الأحد أجدد مثال على ذلك مع تفجير أدى إلى أكثر من 50 قتيلاً وجريحاً مدنياً في بغداد.
المرحلة المقبلة خطرة؛ إذ سيسعى مقاتلو «داعش» إلى زرع الفتن في المجتمعات العربية والأوروبية، بعدما فشل التنظيم في مسعاه في العراق ويقترب من الفشل في سوريا. وإذا أخذنا المملكة المتحدة نموذجاً؛ فإنه تظهر صورة حول حجم المشكلة بالنسبة للدول التي أتى منها المقاتلون الأجانب، وتقدر أعدادهم بنحو نصف إجمالي مقاتلي «داعش».
يذكر أن هناك 150 مقاتلاً بريطانياً انتزعت منهم الجنسية البريطانية، بينما يبقى مصير نحو 350 مقاتلاً بريطانياً آخر مجهولاً. وتخشى بريطانيا من أن هناك 400 بريطاني آخرين قد عادوا إلى المملكة المتحدة؛ بعضهم مراقب، وآخرون من غير المعلوم مكان وجودهم داخلها.
ارتفاع نسبة الهجمات في عواصم أوروبية، ينذر باستمرار تهديد «داعش»، والحكومات الأوروبية ستضطر إلى اتخاذ إجراءات احترازية متصاعدة لصد هذا التهديد. ولكن في الأساس، هناك تهديد للدول العربية والإسلامية، التي شهدت أعلى نسبة من الهجمات الإرهابية هذا العام.
وبينما تتقدم دول مثل الإمارات والعراق والسعودية في التصدي للإرهاب، فإنه على جميع الدول العربية أن تفعل دورها في هذا المسعى؛ إذ عانينا؛ عرباً ومسلمين، أكثر من غيرنا من الإرهاب، ولكن تعلمنا دروساً أيضاً من هذه المعركة. ولا يمكن أن ننتظر أن تكون المبادرة من الغرب. ولا يمكن لنا أن ننكر أن الآلاف من المقاتلين في صفوف «داعش» من دول عربية؛ على رأسها تونس التي تأتي منها أعلى نسبة من المقاتلين.
مع تبلور صورة عن وجود عناصر إرهابية ولاؤها للتنظيم في ليبيا ومصر وأفغانستان، هناك عامل آخر، بالإضافة إلى تهديد الإرهاب التكفيري للدول العربية، هو عامل إيران. القيادات السياسية والعسكرية في طهران حريصة على أن تظهر أن الإرهاب نابع من العالم العربي، ومع الأسف، تلعب على وتر الخلافات الطائفية. وتنظيم داعش نفسه يلعب لعبة الطائفية الخطرة، ويحاول استقطاب التأييد لفكره بإظهار نفسه عدواً للتمدد الإيراني في الدول العربية، مما يعطي إيران حجة أكبر عندما تخاطب المسؤولين الغربيين بأنها «شريك» في مواجهة الإرهاب.
بالطبع، الهدف من قتال «داعش»، أولاً وقبل كل شيء، نابع من محاربة فكر التنظيم الظلامي، ولكن سرعة العمل على قتال «داعش»، وإبداء الجدية في هذه المساعي، ضرورة في مواجهة إيران، ووضع العالم العربي في الإطار السليم.
إن مسعى القضاء على مقاتلي «داعش» يجب ألا يقتصر فقط على رصد أماكن وجودهم ثم العمل على قتلهم، وهو النهج الحالي المتبع بالتعامل مع أي طرف إرهابي سواء كان من «داعش» أو «القاعدة» أو غيرهما، فمن النادر أن نرى «داعشياً» أمام العدالة، وهذا أمر لا يساعد على معالجة ومكافحة الإرهاب، علينا أن نسعى للعدالة ونعريهم ونبين جرائمهم أمامها.
ما سيحل بمقاتلي «داعش»، وتطوير سياسة واضحة في التعامل معهم، وإفشال قدرة التنظيم على تجنيد الشباب، مسعى أساسي لحسم المعركة القائمة في المرحلة المقبلة ضد الإرهاب.