مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

كهربائي.. مطرود مطلوب

المتعة التي تشعر بها حين تشاهد فيلما في قاعة سينما، رغم زحمة الشاشات ومضايقة الهواتف الذكية، لا تعادل متعة القدامى وهم يشاهدون مسلسلا بسيط التقنيات. من أوائل المسلسلات التي كانت تمثل متعة الناظرين وبهجة الأسرة في دول الخليج مسلسلات مثل: «وضحى وابن عجلان»، و«درب الزلق»، و«إلى أبي وأمي مع التحية»، و«ليالي الحلمية». كانت درجة الاندماج مع أحداث المسلسل تبلغ مداها، وينقسم المشاهدون بين مع وضد، وتطلق على بعض أفراد الأسرة أو الأصدقاء ألقاب من وحي أبطال المسلسل وبطلاته. من الأفلام الأولى التي أثرت في المشاهد العربي فيلما «الرسالة»، و«عمر المختار»، للراحل المخرج السوري مصطفى العقاد. كان هذان الفيلمان ثورة فنية، خصوصا فيلم «الرسالة»، بسبب حساسية القصة حول الفترة النبوية، وبسبب إتقان التصوير والصنعة وارتفاع الإنتاج، قياسا بعالم السينما العربية. لم يوجد بعد هذين الفيلمين ما يوازيهما رغم قدم الزمن على صدورهما. هذه الأيام تذكرت أجواء فيلم «الرسالة» وأنا أقرأ تصريحا في الموقع الإخباري الفلسطيني «دنيا الوطن» عن علي سالم قدارة، «المواطن الليبي» كما وصفه الخبر!.. وهو الشخص الذي مثل دور وحشي قاتل حمزة، أسد الله، في فيلم «الرسالة»، يقول «إنه ليس ممثلا، وإنه كان يعمل فني كهرباء في الفندق الذي نزل فيه مصطفى العقاد مخرج الفيلم، فاختاره لتمثيل الدور الذي تردد كثيرا في قبوله». وأضاف أن والدته طردته من البيت بعدما شاهدته يقتل حمزة في المشهد المشهور من الفيلم، وأنه لم يتمكن من العودة إلى المنزل ومصالحة والدته إلا بعد أن استعان بشيوخ دين معروفين من المنطقة حيث أقنعوها بأن ابنها لم يقتل حمزة، وأن المشهد مجرد تمثيل. لم يدخل العرب والمسلمون قط، باستثناء الإيرانيين، إلى عالم الصورة الفنية باعتبارها جسرا يصل بين المكتوب والمحفوظ، الموقر، وبين المعيش والتجربة الحياتية. نحن الآن نعيش فقرا - فوق فقر - في القراءة والمطالعة، مع إدمان الإنترنت والتلفزيون، وأصبح الخطاب السينمائي والتلفزيوني وسيلة مهمة للتثقيف، بالإضافة لوظيفة التأثير والترفيه. من يتذكر كيف أصبح مسلسل «الفاروق عمر» مادة ثرية للتثقيف عند عموم النظارة، يدرك تماما معنى ما يقال هنا. ماذا لو استلهمنا تجربة العقاد مجددا في صيغ أخرى عن تاريخنا القريب والبعيد، بمواصفات الصورة المتقنة، والنص المحكم.. إتقانا يجعل مشاهدة مثل والدة فني الكهرباء الذي أدى دور وحشي بن حرب تصدق أنه بالفعل قام بقتل حمزة وتطرده من البيت؟