سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

بماذا تنصح ناشرا صديقا؟

الاجتماع كان «طارئا» لكن على غداء عادي في «بلو نوت»، الذي ورث شيئا من «مطعم فيصل»، الذي اشتهرت به الجامعة الأميركية، وصديقي الناشر يطلب رأيا في أحوال الكتاب: هل من اقتراحات؟ اعتذرت، لأن الخبرة في الكتابة، غيرها في الكتاب. لكن ما أعرفه من بعيد هو أن عليك أن تقسم إنتاجك إلى قسمين: واحد يجني لك الربح، وواحد يقدم لقرائك المعرفة. القيمة الأدبية والقيمة التجارية قلما تجتمعان في بلادنا. أنت أدرى. قال: «دور النشر في أزمة، والكتاب الإلكتروني على الأبواب، والإتقان مكلف، وقلة الإتقان معيبة، واسمنا على المحك، لكن هكذا أيضا رأسمال الشركة! ماذا نفعل؟». قلت: إياك أن تعتقد أن القارئ العربي وحده يحب الكتب السهلة. هذه حالة البشر في كل مكان. لا يخيل إليك أن كتب «الشيف رمزي» وحدها تتصدر مبيعات الكتب. في الغرب أيضا كتب الطبخ هي الأكثر مبيعا، وليس من اليوم. هل تعرف ما هو الكتاب الذي كان ينافس مؤلفات تشارلز ديكنز؟ قال مستنكرا: وهل كان للمعلم ديكنز منافسون؟ قلت: كانت هناك واحدة. سيدة تدعى الليدي ماريا تشاترباك. لقد باع كتابها عام 1851 أكثر مما بيع من «قصة مدينتين». هل تعرف ما هو الكتاب؟ قال: لا. قلت إنه كتاب «خنفشاري» عن الطبخ والأطعمة، يعتبر البطاطا «خبيثة»، والثوم «عدائيا»، والمانغو «كريهة»، والكركند «غير قابل للهضم»، والأجبان «للخاملين». وكل ما يوصى به الآن كمغذيات كانت تعتبره مخدرا! هل تعرف على ماذا شددت زميلة الليدي تشتارباك، المسز إيزابيلا بيتون في كتابها عن الطبخ؟ على الطماطم. إياكم والطماطم وطعمها الكريه. حاذروا طبخها لأن بخارها يسبب الدوخة والغثيان. إياكم والطماطم. قلت لصديقي: «هل تعرف ما هو الشيء الوحيد الذي أحمله معي من إسبانيا»؟. ماذا؟ بذر الطماطم (البندورة) من مطعم «بالعافية»، لكي أزرعه في حديقتي. هناك عشرون نوعا ولونا من الطماطم، جميعها لذيذ وبخارها لا يسبب الدوخة، ولكن ماذا نفعل بالليدي ماريا وزميلتها، المسز بيتون؟ قلت لصديقي الناشر الذي تملأ كتبه الراقية المكتبات، بقي أن أخبرك من هي منافسة ديكنز، الليدي ماريا. قال، ومن تكون؟ قلت، كانت زوجة المعلم ديكنز. وكان يحبها ويحب طهوها وصار يحب مؤلفاتها. لذلك، لا تستحِ بصرف قسم من إنتاجك إلى كتب الطبخ. وأخبرته أن الأميركيين لم يهتموا كثيرا بالكتب السياسية عنا، لكنهم أقبلوا إقبالا جميلا على كتب مي شخاشير بسيسو عن المآكل العربية. ونحن في البيت وجدنا بديلا للكتب القديمة التي كنا نحتفظ بها، حتى كتاب شيخ طهاة لبنان، جورج الريس، أول من جعل من الطهي مؤلفا.