ستيفن كارتر
TT

رسالة تحذير من السلطة المطلقة لشركات التكنولوجيا

أخيراً، أزيح موقع «ذي ديلي ستورمر» بعيدا عن الإنترنت.
لقد فقد الموقع الناشر للكراهية والعنصرية البيضاء النطاق الخاص به على شبكة الإنترنت والمسجل باسمه عندما تعرض للطرد بادئ الأمر من «غودادي»، ثم من «غوغل» لانتهاكه شروط التقاعد. من جانبهم، حاول نشطاء لسنوات تجميد وجود «ذي ديلي ستورمر». وفي أعقاب الهجوم الخبيث الذي شنه الموقع ضد هيذر هير، المتظاهرة التي قتلت في تشارلوتسفيل بفيرجينيا، قررت الجهات المعنية بتسجيل المناطق عبر الإنترنت أن الصبر نفد. من جانبه، عاود الموقع الظهور عبر خادم روسي، لكن سرعان ما اختفى من هناك أيضاً. اليوم، يقتصر وجود «ذي ديلي ستورمر» على عنوان مجهول عبر onion، وعبر شبكة «تور». ونتمنى كل التوفيق لجهود تعقبه في إيقافه من جديد.
في تلك الأثناء، نجحت حملة انطلقت عبر موقع «تويتر» لتحديد أسماء ومقاطعة الشركات التي تمد «ذي ديلي ستورمر» بخدمات متنوعة تتعلق بشبكة الإنترنت، في حرمان الموقع من الأمن الذي كان يحظى به على صعيد الإنترنت والحوسبة السحابية وتقنيات أخرى. في الواقع، من المبهر معاينة ثورة الغضب التي اشتعلت على مستوى الشركات التكنولوجية ضد «ذي ديلي ستورمر». واللافت أن شركات تكنولوجية تتنوع ما بين «إيربنب» و«ريديت» و«فيسبوك» شرعت في حملة تطهير في صفوف مستخدميها من العناصر العنصرية المتطرفة.
بطبيعة الحال، ينبغي أن يشعر التحرري بداخلي بالراحة إزاء كل هذه الإجراءات. وبخلاف الظروف الأكثر استثنائية، مثل التمييز الصارخ، ينبغي أن يتمتع أي كيان تجاري بالحرية في التعاقد مع الجهة التي يرغبها. بطبيعة الحال، لا أشعر بأدنى تعاطف مع «ذي ديلي ستورمر»، الذي استحق تماما طرده خارج دائرة النقاش والجدال المنطقي. وربما يعترض البعض هنا - ولهم كل الحق في ذلك - بأن العالم يعج بالشر في مختلف أرجائه، لكن التاريخ يعلمنا أن النازيين والعنصريين البيض يشكلون حالة استثنائية. والمؤكد أنه عندما تختفي آراؤهم فسنصبح أحسن حالاً.
ومع ذلك، ثمة شعور بالقلق ينتابني لأسباب عدة، أولها أنه مثلما أوضح الكاتب المتخصص في الشؤون التكنولوجية ويل أوريموس، في مقال له بمجلة «ذي سليت»، فإن الشركات ذاتها التي يجري إخبارها حاليا أنه لا يتعين عليها خدمة جميع الوافدين الجدد عليها، طرحت الحجة المقابلة تماما أثناء الحملة التي شنتها في عهد الإدارة السابقة، ونجحت من خلالها في هزيمة قانون «وقف القرصنة الإلكترونية عبر الإنترنت». وبعدما قررت هذه الشركات الآن أنه بمقدورها بالفعل انتقاء عملائها، فإنها أصبحت في موقف قوة الآن يمكنها من الصمود في وجه أي محاولة جديدة من جانب الكونغرس لاتخاذ إجراءات صارمة ضدها لاستضافتها مواقع تتيح الاستغلال غير المرخص لمواد تقع تحت مظلة الملكية الفكرية.
علاوة على ذلك، فإنه من المثير للقلق معاينة مثل هذا العدد الكبير من النشطاء يبتهجون لوقف «ذي ديلي ستورمر» ليس على أساس ضيق يقوم على فكرة أن الأفكار العنصرية البيضاء تشكل حالة استثنائية، وإنما على أساس أكثر شمولية يعتمد على فكرة أن الجماعات التي تروج لـ«الكراهية» ينبغي ألا يكون لها مكان على شبكة الإنترنت. وبالنظر إلى التعريف المعاصر شديد الاتساع والمرونة الذي يطرحه اليسار لكلمة «كراهية»، فإن التداعيات المحتملة لهذا الشعار تبعث على الشعور بالقلق. وبالنظر إلى موجة النشوة التي تجتاح وسائل التواصل الاجتماعي والشعور بالنصر، لا يملك المرء سوى التساؤل أي من المجموعات التي يراها التقدميون خاطئة ستصبح ضحية حملة الحظر المقبلة.
ويؤدي هذا بنا إلى قلقي الأكبر - فأنصار الفلسفة التحررية يميلون للشعور بالقلق إزاء تركز السلطة في يد الدولة. ورغم أنه ليس ثمة إجماع حول أخطار تركز السلطة في أيد خاصة، فإنه عندما تسيطر أيد خاصة على وسيلة الاتصال الإعلامي الأساسية بالعالم، أعتقد أنه يتعين على المرء حينها التردد عندما يجدها تقرر أنه ليس من حق الجميع استخدام هذه الوسيلة، ذلك أن هذا القدر من السلطة أشبه بسلطة الدول في واقع الأمر.
من جانبي، لا أشعر بالقلق إزاء النازيين الجدد، الذين يستحقون تماما العار الذي لحق بهم، واختفائهم المفاجئ من فضاء الإنترنت، وليس ثمة ما هو جديد في اللجوء إلى سلاح رفض التعامل كأداة لفرض التناغم الاجتماعي. في الواقع، إنني في سن كبيرة بما يكفي لأن أتذكر اللافتات التي كانت تعلقها بعض المحال على واجهاتها، وتحظر دخول الفتيان أصحاب الشعر الطويل والنساء اللائي يرتدين تنورات مفرطة في القصر.
بيد أن المشكلة هنا تكمن في أنه على خلاف الحال مع هذه المجموعات التي تعرضت للنبذ خلال فترة شبابي، فإن أولئك المحرومين من حق المشاركة في الفضاء الإلكتروني ليس بإمكانهم ببساطة التوجه إلى متجر على الجانب المقابل من الطريق لقضاء احتياجاتهم - فعندما يطردك حراس الإنترنت، فإن يعني أن أمرك قد انتهى تماماً.
في الواقع، يتميز القائمون على إدارة الشركات التكنولوجية بقدر عال من الذكاء، وأعرف شخصيا كثيرا من الشخصيات الرائعة منهم. ومع هذا، فإنه من خلال تنصيبهم قضاة لهم مطلق الحق في تحديد من ينبغي السماح له باستخدام الإنترنت، فإننا بذلك نضع ثقة هائلة في بصيرتهم الأخلاقية.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»