ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

شكل الاتفاق الدائم مع كوريا الشمالية

بعد أسابيع من الحرب الكلامية، توقفت كوريا الشمالية الثلاثاء الماضي لتلتقط أنفاسها. لكن إلى أين ستكون وجهة كيم جونغ أون الأسبوع المقبل؟ يجادل المسؤولون الأميركيون أن كيم جونغ أون يسعى إلى عقد محادثات مباشرة مع واشنطن بشأن اتفاق رسمي لتحل محل اتفاق الهدنة الذي وقع عام 1953 ليضع نهاية للحرب الكورية.
في الحقيقة، فإن الولايات المتحدة تسير في اتجاه مزدوج، مما يهدد بنشوب صراع عسكري (يرى البعض أنه بسبب الصواعق اللفظية التي أطلقها الرئيس ترمب) وفي نفس الوقت تدعو الولايات المتحدة إلى عودة الاستقرار وإلى نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية.
الخدعة الدبلوماسية هنا تعمل بشكل متزامن لطمأنة كوريا الشمالية والصين وكوريا الجنوبية واليابان بأن مصالحهم الحيوية ستكون في أمان. جرت الإشارة إلى تلك المباحثات الأحد الماضي من خلال وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس ووزير الخارجية ريكس تيلرسون. وفي مقال رأي بصحيفة «وول ستريت جورنال»، حذر هؤلاء المسؤولون كوريا الشمالية، مطالبين إياها بأن «تسلك طريقاً جديداً تجاه السلام والرخاء والقبول الدولي»، وإلا فلتتحمل المزيد من العزلة.
وكان الشرط الغامض لتيلرسون بشأن المفاوضات هو أن تبدي بيونغ يانغ جديتها بالتوقف عن إجراء المزيد من التجارب النووية والصاروخية. وعلى الجانب الآخر، سار الرئيس كيم خطوة واحدة على مضض في هذا الاتجاه الثلاثاء الماضي، وكان ذلك عندما أعلنت وكالة الأنباء الكورية أنه قرر «مشاهدة المزيد من السلوك الغبي لليانكيز»، بدلا من مواصلة تهديده بإطلاق أربعة صواريخ باليستية على جزيرة غوام الأميركية. تتمثل مشكلة كيم عند تصعيده للمشكلة في أنه يواجه جبهة موحدة تشمل الولايات المتحدة الأميركية والصين بدعم من كوريا الجنوبية واليابان وروسيا. فبكين انضمت إلى واشنطن في دعوتها إلى نزع السلاح النووي وتأييد فرض المزيد من عقوبات الأمم المتحدة، من ضمنها فرض حظر على المزيد من الواردات الصينية من الفحم والحديد والرصاص الكوري الشمالي. ولشعورها بالامتنان لمساعدة الصين، تبدو إدارة ترمب كأنها عززت من تهديدها بالحد من صادرات الصين من الحديد، وأنها علقت الإجراءات التي تؤثر على عملاقي الإنترنت الصينيين «علي بابا» و«تنسنت». وبدلا من ذلك، دعت الإدارة الأميركية الاثنين الماضي إلى التحقيق في مزاعم سرقة الصين لأسرار تجارية وتكنولوجية، والتي تمثل مشكلة كبيرة للشركات الأميركية، لكنها لا تتطلب عقوبة عاجلة.
حديث الرئيس ترمب كان بنفس نارية حديث كيم، بدءاً من حديثه الأول في مايو (أيار) الماضي الذي قال فيه إنه سيتشرف بلقاء الديكتاتور وانتهاء بتصريحه الأسبوع الماضي الذي هدد فيه بـ«الويل والثبور». لكن بؤرة هذه الأزمة تكمن في نفس السؤال الذي أغاظ الساسة الأميركيين لعقود وهو: كيف تتعامل مع دولة مارقة تتفانى في خرق الأعراف الدولية، والآن باتت تتلاعب بالأسلحة النووية؟
يكمن أحد أساليب فهم اللغز الكوري الشمالي في الوصول إلى اتفاق السلام. فقد نص اتفاق الهدنة على أنه فقط مجرد «وقف للأعمال العدائية إلى أن يوقع اتفاق سلام نهائي». فالبروباغاندا الكورية الشمالية تصف الاتفاق كإعلان «دنيء للاستسلام»، لكن النظام الكوري يدرك أنه نقطة مفصلية أيضا. فقد أعلنت بيونغ يانغ تعليق الهدنة ثلاث مرات على الأقل عام 2003 و2009 و2013.
ومع تأمل المسؤولين الأميركيين لمسار المفاوضات التي قد تفضي إلى توقيع اتفاق نهائي، فقد أشاروا إلى بعض المواقف الأميركية العامة: الأول هو أن الولايات المتحدة ستتعهد لكوريا الشمالية بعدم إسقاط نظامها، الثاني، ستضمن الولايات المتحدة أمن كوريا الجنوبية التي تمثل حليفا مقربا لها، والثالث هو أن واشنطن ستتعهد بعدم العمل على تحقيق وحدة سريعة لشبه الجزيرة الكورية لكي تأمن الصين واليابان جانب كوريا الموحدة بعد إعادة بعثها، وأخيرا أن الولايات المتحدة الأميركية ستعرب عن رغبتها في مناقشة مستقبل وجودها العسكري في كوريا الجنوبية في حال جرى تطبيق اتفاق السلام بصورة سليمة.
قدم تيلرسون عناصر الطمأنة الثلاثة الأولى أمام الناس، لكن العنصر الرابع هو الأكثر حساسية، لأن جميع الأطراف تدرك أن القوات الأميركية تمثل عنصر الاستقرار الضروري، لأنها لا تحد من تصرفات بيونغ يانغ فحسب، بل تعمل على الحد من المزيد من التعزيز لقدرات سيول وطوكيو العسكرية.
ورغم أن برنامج الأسلحة النووية الكوري الشمالي غالبا ما ينظر له بوصفه محاولة لإطالة أمد النظام الحاكم، فإن بعض المسؤولين الأميركيين يتشككون في هذا المنطق. فالأهم من أي شيء هو أن الردع التقليدي -الذي يتخذ شكل مئات المدرعات ومنصات الصواريخ التي تستهدف سيول- قد كبح أي هجوم على بيونغ يانغ لثلاثة أجيال من حكم سلالة كيم.
وقد قرأ المسؤولون الأميركيون بعناية كتاب الكاتب بي أر مايرز، الذي حمل عنوان «أنظف سباق» الذي صدر عام 2010، حيث يجادل الكتاب أن كوريا الشمالية ليست نظاما شيوعيا في الحقيقة، لكن الدافع من وجوده هو ما يكرره تيار اليمين هناك عن نقاء العرق الكوري. فهدف ذلك النظام هو الانتصار وإعادة التوحيد الذي فشل في تحقيقه عام 1953.
وقد ساعدت العلاقات الصينية - الأميركية في عودة تلك الأزمة إلى السطح، لكن هذا ليس سوى مشهد جانبي من كيم. فالصدام الحقيقي الذي يريده سيكون مع صانع الصفقات نفسه، مع دونالد ترمب، وهو العرض الأكبر الذي ستباع من أجله التذاكر.
* خدمة «واشنطن بوست»