حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

رب ضارة نافعة!

مجدداً ومرة أخرى فتح خبر رحيل الفنان الكويتي عبد الحسين عبد الرضا الحديث عن خطاب الكراهية وحجم الاستعداد للتمييز العنصري والطائفي بشكل مهول. المسألة كما تبين للقاصي والداني تتخطى الجدل «الفقهي»، ولكن الموضوع أعمق بكثير، وهو يتعلق بجاهزية، وذهنية جاهزة، للتفريق والتمييز والكراهية مع إيجاد الأسباب لذلك الأمر بوصفها مسألة لاحقة. ولكن شيئاً ما قد حدث على ما يبدو هذه المرة؛ فهناك مجموعة غير مسبوقة من المقالات والتصريحات والتعليقات من مختلف المجالات؛ من رجال أعمال ورجال دولة ورجال إعلام ورجال دين. كثيرون منهم قالوا إنه لا يجوز التفريق بين الفئات المجتمعية، ولا التعدي بحسم من يدخل في رحمة الله ومن لا يدخل... وهي جميعاً مساحات جديدة على المجتمع لم يكن من المقبول التحدث فيها.
الآن هناك عودة حميدة للحديث عن لغة التسامح والتعايش ومعاقبة كل معتدٍ على هذه الفكرة، وأن يكون للنظام والقانون اليد الطولى.
اليوم هناك رغبة جادة في أوساط المجتمعات العربية (على الأقل ما يطرح في وسائل الإعلام) في إصدار قانون يجرّم الكراهية والتمييز العنصري والطائفي عن طريق البرلمان ومجلس الشورى. ولكن السؤال المطروح الآن: هل حجم الكراهية والتمييز العنصري والطائفي في المجتمعات العربية يزداد أم يقل؟ السؤال جوهري وأساسي، لأن اللغة المثالية المنتشرة في بعض وسائل الإعلام الجديد والتقليدي، لا تتطابق مع حجم التمييز واللغة والعنف اللفظي وسياسات التفرقة غير المعلنة، ولكن الممارسة فعلياً، مما يعني ويؤكد أن الموضوع عميق ومتجذر، وأن المشكلة هي نصوص بشرية حُميت بعباءة الدين وتحولت إلى كيان مقدس ونصوص تقليدية أصبحت «حمايتها» واجباً بوصفها جزءاً من الحفاظ على التراث والعادات والتقاليد.
الموضوع بحاجة لجرأة غير مسبوقة في مواجهة غول التمييز والطائفية والعنصرية، فهو أشبه بالسرطان الذي ينهش الجسد الوطني ويبقى دوماً نقطة الضعف التي ينخر منها شيطان الفتنة والقلاقل. وما دام التعامل مع المخالفين لنهج التعايش والتسامح بقفازات من حرير خفيف مستمراً؛ فلن تكون هناك إلا مقالات وتصريحات وتعليقات مثالية، ولكن على أرض الواقع تبقى الممارسات البشعة؛ التي تجعل طبقات وترتيبات داخل المجتمع الواحد غير موجودة إلا في الدول العنصرية، والتي باتت مسألة مجرّمة بشكل قطعي.
لا تعايش ولا تسامح حقيقيين إلا بعلاج أصل المشكلة وتطهير الموروثات والعادات من اللوث العقلي الذي أدى إلى التمييز الحاصل اليوم بشكل لا يمكن القبول به أبداً.
كل الأمل أن تكون التصريحات والتفاعل الحاصل اليوم هو بالفعل نقلة نوعية من فكر وممارسات جاهلية إلى واقع مدني محترم مبني على مساواة حقوقية لكل المواطنين تحت سقف العدل والقانون.