هل يمكن الوقاية من النوع الأول للسكري؟

النظام الغذائي والعدوى الفيروسية يسهمان في الإصابة به

هل يمكن الوقاية من النوع الأول للسكري؟
TT

هل يمكن الوقاية من النوع الأول للسكري؟

هل يمكن الوقاية من النوع الأول للسكري؟

من المعروف أن مرض السكري من النوع الأول يُعد أشهر مرض مزمن في فترة الطفولة. ورغم أنه يحدث في الأغلب بين الأطفال والمراهقين (كان الاسم القديم لهذا النوع سكري الأطفال) لكن يمكن حدوثه في أي فترة عمرية.

ويتميز المرض بارتفاع غلوكوز الدم نتيجة لتكوين أجسام مضادة مناعية لخلايا البنكرياس بسبب تفاعلات مناعية تؤدي إلى تدمير الخلايا المسؤولة عن إنتاج الإنسولين (خلايا بيتا) وظهور مرض السكري من النوع الأول (T1DM) في الأطفال في وقت مبكر من الحياة، مما يؤثر بالسلب في صحتهم العامة لبقية حياتهم.

عوامل بيئية

أوضحت أحدث دراسة عالمية تناولت العوامل البيئية المحددة لمرض السكري في الشباب The Environmental Determinants of Diabetes in the Young أو اختصاراً (TEDDY) Study، وجود كثير من العوامل يمكن أن تسهم في ظهور هذه التفاعلات المناعية التي تحدث في البنكرياس وتؤدي إلى تكوين الأجسام المضادة المناعية التي تسبب نقص الإنسولين. ومن خلال تفادي هذه العوامل يمكن وقاية الأطفال من المرض وتقليل فرص حدوثه.

وأجرى الدراسة التي نُشرت في مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي في مجلة الغدد الصماء (Nature Reviews Endocrinology)، باحثون وأطباء متخصصون في الغدد الصماء من مراكز بحثية مختلفة في الكثير من مدن العالم.

رغم أن العامل الجيني يلعب دوراً مهماً في الإصابة لكن لا يمكن تفسير حدوث المرض بسبب العامل الوراثي وحده، إذ تلعب العوامل البيئية الأخرى دوراً أساسياً مثل النظام الغذائي ومسببات العدوى وعلى وجه التحديد التعرض للعدوى الفيروسية... كل هذه العوامل تساعد على حدوث التفاعلات المناعية وتكوين الأجسام المضادة المعطِّلة لعمل الإنسولين.

وقال الباحثون إن أكبر مشكلة في الدراسة كانت العثور على الأطفال المصابين بالمرض لإجراء الدراسة عليهم، إذ شارك نحو 40 في المائة فقط من الأطفال وذلك بسبب مخاوف الأسر من المتاعب التي يمكن أن يتعرض لها الصغار بشكل عام. ولكن على الرغم من هذه التحديات حققت الدراسة معدلات مسح كبيرة خصوصاً في الدول الاسكندنافية (فنلندا والسويد) بعكس بعض الولايات الأميركية.

ولمحاولة فهم المناعة الذاتية لخلايا البنكرياس رصد الباحثون الأجسام المضادة التي تظهر لأول مرة والتي في الأغلب تكون مضادة للإنسولين (IAA) وتقلل من إفرازه. وهذه الأجسام المضادة الذاتية تُعد الأولى التي يجري اكتشافها، وذلك في الفئة العمرية بين سن 6 أشهر و3 سنوات. وقال الباحثون إن المخاطر الوراثية شملت ما يقرب من 50 في المائة من حالات الإصابة، إذ يسهم بعض الجينات المحددة في رفع نسبة القابلية لحدوث المرض تبعاً لتحليلات الجينوم الخاصة بالأطفال وأسرهم.

تناوُل كميات كبيرة من البروتين في الطعام ارتبط بزيادة خطر الإصابة بالمناعة الذاتية

دور بروتين الطعام والفيروسات

ارتبط تناول كميات كبيرة من البروتين في الطعام بزيادة خطر الإصابة بالمناعة الذاتية أيضاً مما يسلِّط الضوء على تأثير التغذية السليمة والمتوازنة في مراحل الحياة المبكرة على الجهاز المناعي سلباً وإيجاباً. لذلك يجب على الآباء مراعاه التوازن في وجبات الأطفال الصغار حتى في المواد التي يمكن أن تكون مفيدة في كميات معتدلة لأن الإفراط في تناول أي مادة حتى لو كانت جيدة ينعكس بالسلب على صحة الطفل. والأمر نفسه ينطبق على منع أي مادة غذائية أخرى مثل الدهون أو الكربوهيدرات بشكل كامل لأن الطفل في مراحل التكوين يحتاج إلى جميع العناصر.

ووجد الباحثون أن العدوى الفيروسية على وجه التحديد كانت مرتبطة بالتفاعلات المناعية. وهناك أنواع معينة من العدوى كانت مرتبطة بزيادة خطر تكوين المناعة الذاتية وبشكل خاص الفيروسات المعوية مثل عدوى الكوكساكي بي Coxsackie B التي تحفز الأجسام المضادة المناعية. وفي المقابل كانت هناك أنواع أخرى لعبت دوراً مهماً في الوقاية من خطر المناعة الذاتية مثل الإصابة بالأدينو فيروس سي (adenovirus C) في وقت مبكر من عمر الطفل. وربما تحدث الوقاية عن طريق تحفيز الدفاعات المضادة للفيروسات في الجسم.

رصدت الدراسة الآثار الجيدة للبكتيريا النافعة في التغلب على خطر المناعة الذاتية وخفض احتمالية الإصابة بالأمراض المناعية بشكل عام وليس مرض السكري من النوع الأول فقط. ونصحت الآباء بالحرص على أن يتناول أطفالهم الأطعمة التي تحتوي على البروبيوتيك بشكل طبيعي مثل الزبادي، وقال الباحثون إن الرضاعة الطبيعية لأطول فترة ممكنة تساعد على الوقاية من الأمراض المناعية بسبب البكتيريا النافعة الموجودة في حليب الأم.

وقال الباحثون إن الفترة العمرية من عمر عام حتى أربعة أعوام كانت أكثر فترة جرى فيها تشخيص المرض، وتمكَّن العلماء من توقع الأطفال الذين سوف يصابون بالمرض من خلال مسح سنوي لأجسام مضادة معينة، وأن الطفل أكثر عُرضة للإصابة من أقرانه. ولذلك يجب على آباء هؤلاء الأطفال أن يتجنبوا بقية العوامل التي تساعد على ظهور المناعة الذاتية والعمل على وقاية أطفالهم من خلال التزام نظام غذائي معين وعلاج الأمراض الفيروسية.

وتلعب العوامل النفسية دوراً مهماً في ظهور المناعة الذاتية لخلايا البنكرياس. وكلما كانت صحة الطفل النفسية جيدة ويتمتع بالحب والدعم النفسي من الأسرة قلَّت فرص إصابته بالتفاعلات المناعية المؤدية إلى مرض السكري أو غيره من الأمراض المناعية بشكل عام. وقال الباحثون إن التحليل النهائي لجميع العينات التي جُمعت سوف يلقي مزيداً من الضوء على طرق الوقاية من المرض وذلك في مطلع عام 2025.

* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

تقنيات جديدة لعلاج التهاب الأنف المزمن

صحتك تقنيات جديدة لعلاج التهاب الأنف المزمن

تقنيات جديدة لعلاج التهاب الأنف المزمن

كشفت دراسة حديثة أن استهداف العصب الذي غالباً ما يكون مبهماً يؤدي إلى تحسين معدل نجاح العلاج بالتبريد والعلاج بالترددات الراديوية لالتهاب الأنف المزمن.

صحتك 5 أعضاء مستهدفة بالضرر لدى مرضى ارتفاع ضغط الدم

5 أعضاء مستهدفة بالضرر لدى مرضى ارتفاع ضغط الدم

إحدى الحقائق التي يجدر ألّا تغيب بأي حال من الأحوال عن مرضى ارتفاع ضغط الدم، هي أن المشكلة الرئيسية طويلة الأمد لارتفاع ضغط الدم

د. عبير مبارك (الرياض)
صحتك جهاز قياس مستوى السكر بالقرب من أنواع الغذاء الصحي (غيتي)

المخاطر الخفية لـ«ما قبل السكري»

يعاني نحو 98 مليون أميركي -أكثر من واحد من كل ثلاثة- من حالة «ما قبل السكري» (مقدمات السكري - prediabetes)

ماثيو سولان (كمبردج - ولاية ماساشوستس الأميركية)
صحتك الدكتور هاني جوخدار وكيل وزارة الصحة لـ«الصحة العامة» في السعودية (الشرق الأوسط)

السعودية تدفع لتنفيذ منهجية موحدة لـ«مقاومة مضادات الميكروبات» في العالم

كشف المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات تحت شعار «من الإعلان إلى التنفيذ»، عن تأثير مقاومة «الوباء الصامت» على الاقتصاد.

إبراهيم القرشي (جدة)
صحتك سيدة مصابة بالخرف (رويترز)

4 تمارين قد تقلل من خطر الإصابة بالخرف

كشفت دراسة نُشرت مؤخراً أن ممارسة التمارين الرياضية بشكل متكرر تمنحك الحماية من الخرف.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تقنيات جديدة لعلاج التهاب الأنف المزمن

تقنيات جديدة لعلاج التهاب الأنف المزمن
TT

تقنيات جديدة لعلاج التهاب الأنف المزمن

تقنيات جديدة لعلاج التهاب الأنف المزمن

كشفت دراسة حديثة، أجراها مستشفى هيوستن ميثوديست، أن استهداف العصب، الذي غالباً ما يكون مبهماً، يؤدي إلى تحسين معدل نجاح العلاج بالتبريد، والعلاج بالترددات الراديوية لالتهاب الأنف المزمن، والتي تعمل على توسيع نطاق العلاجات التي تُغير قواعد اللعبة، لتشمل أقلية من المرضى الذين لم تساعدهم هذه العلاجات، في السابق.

وأظهرت الدراسة، التي نُشرت بمجلة «لارينجوسكوب إنفيستيغاتيف أوتولارينجولوجي (Laryngoscope Investigative Otolaryngology)»، أن العلاجات التي قام بها الأطباء المتابعون بعلاج العصب الأنفي الخلفي posterior nasal nerve (PNN)، وهو عصب مخفي لدى بعض الأشخاص بسبب الاختلافات التشريحية من شخص لآخر، في العيادات الخارجية التي تكون حرارة الغرفة فيها محكمة، قد أفادت المرضى الذين لم يستجيبوا لعلاجات أخرى.

ويقول الدكتور عمر أحمد، طبيب أنف وأذن وحنجرة بمستشفى هيوستن ميثوديست والباحث الرئيسي في الدراسة: «لم نتمكن فحسب من تحسين معدل نجاح الإجراءات بشكل كبير، بل أصبحنا، الآن، قادرين على تقديم هذه العلاجات الأكثر أماناً والأقل تدخلاً، كبديل للخيارات الجراحية، التي نلجأ إليها غالباً للمرضى الذين يعانون نسبة مرتفعة من أعباء أعراض التهاب الأنف المزمن».

تقنيات العلاج بالتبريد

وخلال السنوات الخمس الماضية، برزت تقنيات العلاج بالتبريد «ClariFix®» والعلاج بالترددات الراديوية «RhinAer™» بوصفها خيارات فعالة وغير جراحية لكثير من الأفراد الذين يعانون سيلان الأنف «الرعاف» المتكرر، والتنقيط الأنفي الخلفي، والاحتقان، والعطس، والسعال، والحكة الأنفية. وشكلت هذه الإجراءات نقطة تحول لدى 70 في المائة من المرضى الذين استجابوا بشكل إيجابي، في حين أن 30 في المائة من المرضى الذين خضعوا للعلاج لم يلحظوا أي تحسن في أعراضهم.

ويقول الدكتور أحمد إن باحثي الدراسة توقعوا أن يروا تراجعاً تدريجياً في الفوائد، لكن في هذه الدراسات المبكرة كان الأمر أشبه بخيارين؛ إما أن العلاج ناجح، أو أن المرضى لم يخضعوا للعلاج على الإطلاق. والأمر الذي لفت انتباههم في هذه النتائج، كان واقع اختلاف التكوين التشريحي «anatomy» للمرضى، مما يعني أن هناك طريقة أفضل لتحقيق النتائج والفائدة المرجوّة.

وخلال محاولتهم فهم سبب فشل العلاج، أجرى الدكتور أحمد، والدكتور ماس تاكاشيما، رئيس قسم طب الأنف والأذن والحنجرة وجراحة الرأس والرقبة بمستشفى هيوستن ميثوديست، دراسات أولية ركزت على المرضى الذين لم يستجيبوا للإجراءات سابقاً. ويقول الدكتور أحمد: «ما اكتشفناه هو اختلاف كبير في التكوين التشريحي للمرضى الذين لم تنجح علاجاتهم».

وعليه، بات العصب الأنفي الخلفي الهدف الرئيس في هذه الإجراءات، والذي غالباً ما يجري تجاهله لأنه يقع خلف المحارة الأنفية الوسطى، وهي بنية عظمية في تجويف الأنف. وتستهدف الأساليب التقليدية الأعصاب الموجودة أمام هذه البنية، مما يؤدي إلى علاج غير مكتمل لدى بعض المرضى.

ومن خلال استخدام فحوصات التصوير المقطعي المحوسب «CT scans»، تمكّن الباحثون من تحديد هذه الاختلافات التشريحية، وخاصة في ارتباط المحارة الوسطى بالثقب الوتدي الحنكي sphenopalatine foramen (SPF)، وهي الفتحة التي يدخل منها العصب الأنفي الخلفي إلى تجويف الأنف.

ومن ثم قام فريق البحث بتعديل تقنيتهم ​​الجراحية لمراعاة هذه الاختلافات التشريحية، وعلاج كل من الجزأين الأمامي والخلفي من المحارة الأنفية الوسطى. وأكدت النتائج اللاحقة أهمية تخصيص أساليب العلاج بناءً على التشريح الفردي، وإجراء دراسات متابعة عند فشل العلاجات.

وكان الدكتور أحمد والدكتور تاكاشيما وفريهم البحثي قد قدموا نتائج دراستهم لأول مرة، في اجتماع الجمعية الأمريكية لطب الأنف عام 2022. ومنذ ذلك الحين، اكتسب عملهم اعترافاً وطنياً على صعيد الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تَواصل الأطباء من جميع أنحاء البلاد مع الفريق للحصول على إرشادات حول كيفية تعديل تقنيتهم.