توجهات جديدة لفحص سرطان القولون والمستقيم

اختبار دم بسيط يسهّل عملية رصده

توجهات جديدة لفحص سرطان القولون والمستقيم
TT

توجهات جديدة لفحص سرطان القولون والمستقيم

توجهات جديدة لفحص سرطان القولون والمستقيم

ربما حان الوقت لنطلق جميعاً زفرة ارتياح، أو على الأقل نشعر بالأمل؛ وذلك لأن عملية الكشف عن سرطان القولون والمستقيم ربما تصبح أسهل بكثير قريباً.

وتشير أحدث الأدلة على هذا الصعيد إلى أن اختبار دم بسيط ربما يتحول أداةً للكشف عن هذا النمط من السرطان. ويحمل هذا الأمر أهمية كبيرة، خاصة لأن الكثيرين ينأون بأنفسهم عن طرق الفحص الراهنة، مثل فحص القولون بالمنظار أو اختبار البراز؛ لأنها قد تكون مزعجة وتستغرق وقتاً طويلاً.

في الوقت ذاته، فإن تجاهل هذه الفحوص قد تكون له تداعيات مميتة، بالنظر إلى أن سرطان القولون والمستقيم واحد من أكثر أسباب الوفاة شيوعاً بين مرضى السرطان داخل الولايات المتحدة.

اختبار دم جديد

وفيما يلي عرض لما يمكن أن يعنيه اختبار الدم الجديد لجهود الكشف عن سرطان القولون والمستقيم، وما هي مزايا الطرق الأخرى للفحص اليوم.

• هل باتت أداة اختبار الدم وشيكة؟ يطلق على اختبار الدم المقصود هنا: اختبار «شيلد» Shield، الذي تولت تطويره مؤسسة «غاردانت هيلث» Guardant Health.

يبحث الاختبار عن شظايا الحامض النووي الناجمة المتولدة عن أورام سرطان القولون والمستقيم. جدير بالذكر أن «شيلد» متاح تجارياً بالفعل (وإن كان على نطاق غير واسع)؛ بناءً على توصيف الأطباء، لكنه لم ينل موافقة إدارة الغذاء والدواء بعد، ولا يغطيه التأمين. إلا أن هذا الوضع ربما يتغير.

وقد قدّرت دراسة ممولة من الصناعة، نُشرت في 14 مارس (آذار) 2024 بدورية «ذي نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين»، مستوى دقة «شيلد» لدى تجريبه على أكثر عن 7800 بالغ، كانوا يخضعون لفحص القولون بالمنظور. وكان جميع المشاركين يواجهون مستوى متوسطاً من مخاطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم.

• دقة متفاوتة. وبوجه عام، حدد «شيلد» بدقة 83 في المائة من حالات الإصابة بسرطان القولون والمستقيم. ومع ذلك، لم يبل الاختبار بلاءً عظيماً في رصد حالات النمو محتملة التسرطن التي يطلق عليها «السليلة» أو الورم الحميد (رصد «شيلد» 13 في المائة فقط من حالات السليلة المتقدمة advanced polyps). وفي نحو 10 في المائة فقط من الحالات، قدم الاختبار نتائج إيجابية كاذبة بخصوص أفراد لم يكن لديهم سرطان القولون والمستقيم أو أورام حميدة.

ومع ذلك، حال حصول «شيلد» على موافقة إدارة الغذاء والدواء، الأمر الذي قد يحدث هذا العام، فإن هذا الاختبار يمكن أن يحدِث فارقاً كبيراً لدى الأفراد الذين لا يستطيعون أو لا يرغبون في الخضوع للأنماط الأخرى من الفحوص.

• تقييم طبي لأداء الاختبار. وفي هذا الصدد، يرى الدكتور لورانس إس. فريدمان، اختصاصي الجهاز الهضمي ورئيس قسم الطب بمستشفى نيوتن - ويلزلي، التابع لجامعة هارفارد، أنه: «من منظور الأداء، فإن هذا الاختبار لا يعد الأفضل، لكنه يبقى أفضل من عدم إجراء أي اختبار من الأساس؛ لأنه ربما يرصد وجود سرطان بالقولون قبل أن ينتشر. وحال الاستعانة بهذا الاختبار على نطاق واسع، بالنظر إلى كونه أسهل عن سبل الفحص الأخرى، فإنه قد يصبح الأداة المنشودة على صعيد أساليب فحص الأورام السرطانية. ومع هذا، يبقى من المبكر للغاية التأكيد على ما إذا كان سيحدث بالفعل».

اختبارات البراز

لا تتطلب اختبارات البراز أن يجري جمع دمك في المختبر أو عيادة الطبيب. وتأتي اختبارات البراز داخل مجموعة من الأدوات يصفها الطبيب. ويمكنك استخدام أدوات المجموعة مع الاستمتاع بالخصوصية في منزلك، وإرسال العينة إلى عيادة طبيبك أو المختبر. وهناك، يجري تحليل العينة؛ بحثاً عن مؤشرات سرطان القولون والمستقيم، مثل الحمض النووي للورم أو كميات صغيرة من الدم من الأورام أو الأورام الحميدة.

من جهتها، توصي قوة العمل الأمريكية للخدمات الوقائية بثلاثة أنماط من اختبارات البراز:

• اختبار الغواياك للبراز guaiac fecal occult blood test (gFOBT)، والذي يعتمد على عناصر كيميائية للعثور على الدم في البراز. ويجب إجراء مثل هذا الاختبار مرة واحدة سنوياً. (الغواياك مصطلح يدل على اسم سطح الورق المستخدمة في الاختبار الذي يحتوي على مركب الفينول، حمض ألفا غاياكونيك، المستخرج من راتنج خشب أشجار الغاياكوم – Guaiacum - المحرر).

• اختبار الكيمياء المناعية في البراز fecal immunochemical test (FIT)، الذي يستعين بالأجسام المضادة للكشف عن الدم بالبراز، ويجب إجراؤه مرة واحدة على الأقل سنوياً.

• اختبار الحمض النووي متعدد الأهداف multitarget stool DNA (mt-sDNA) test (Cologuard)، والمعروف كذلك باسم FIT-DNA، الذي يحدد الحمض النووي القادم من خلايا سرطانية في البراز. ويتضمن مكون FIT للبحث عن الدم. ويجب إجراء هذا الاختبار كل ثلاث سنوات.

من بين الاختبارات الثلاثة، يعتبر اختبار FIT-DNA الأكثر فعالية ودقة، ويعتبر حالياً أكثر دقة عن اختبار الدم. وبمقدور هذا الاختبار رصد 92 في المائة من حالات الإصابة بسرطان القولون والمستقيم، و42 في المائة من الأورام الحميدة المتقدمة. أما معدل الإيجابية الكاذبة بين نتائجه، فيبلغ نحو 13 في المائة.

ويتميز الجيل التالي من اختبار Cologuard FIT-DNA، الذي لا يزال بانتظار موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، بأداء أفضل، فبإمكانه رصد 94 في المائة من حالات سرطان القولون والمستقيم، و43 في المائة من الأورام الحميدة المتقدمة، تبعاً للدراسة المنشورة في «ذي نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين» بتاريخ 14 مارس (آذار) 2024. أما معدل الإيجابية الكاذبة لديه، فيقدر بنحو 10 في المائة.

أداة الفحص الذهبية

يعد فحص القولون بالمنظار colonoscopy أسلوب فحص سرطانات القولون والمستقيم الأكثر شمولاً، خاصة وأنه يتيح للطبيب إلقاء نظرة داخل القولون والمستقيم. وينجح هذا الأسلوب في رصد 95 في المائة من حالات سرطانات القولون والمستقيم. وعن ذلك، قال الدكتور فريدمان: «هذا ليس اختباراً مثالياً، لكنه أدق من اختبار الدم أو البراز. ومن خلاله، يمكن للطبيب رصد وإزالة السلائل أو الأورام الحميدة التي يحتمل أن تكون سرطانية على الفور، والحيلولة دون الإصابة بالسرطان مستقبلاً».

إلا أن فحص القولون بالمنظار يتطلب للأسف، عملية استعداد طويلة غير مريحة لتنظيف الأمعاء (بحيث يتمكن الطبيب من رؤية جدران القولون والمستقيم بوضوح). ويجري تنفيذ هذا الإجراء عادة داخل مركز جراحة. وفي أثناء تنظير القولون، بينما أنت قيد التخدير، يضع الطبيب أنبوباً مرناً (يحمل كاميرا صغيرة ومعدات جراحية) عبر المستقيم إلى القولون. وبعد الفحص، يجب عليك قضاء بعض الوقت في غرفة الإنعاش، وبعد ذلك تعود إلى المنزل. وتستغرق العملية برمتها وقتاً طويلاً، وقد تكون باهظة التكلفة، حسب التأمين الخاص بك.

ومع ذلك، إذا اخترت إجراء اختبار البراز ووجدت شيئاً مريباً، فستحتاج إلى متابعة باستخدام فحص منظار القولون، والذي يعتبر اختباراً تشخيصياً. لا يغطي التأمين عمليات فحص القولون التشخيصي بالمنظار بشكل كامل، ويمكن أن تصل تكلفته إلى مئات آلاف الدولارات، حسب خطتك التأمينية. ومع ذلك، نظراً لأنه يمكن الطبيب من إزالة السلائل أو الأورام الحميدة محتملة التسرطن، فإنه يمكن أن يشكل خطوة قادرة على إنقاذ حياتك.

ماذا لو لم يكن لديك تأمين؟ تتراوح تكاليف أحد اختبارات البراز بين نحو 30 دولاراً و600 دولار. أما تكاليف فحص القولون بالمنظار، فتتراوح بين 1200 دولار و4800 دولار.

جدير بالذكر أن اختبار «شيلد» تبلغ تكلفته حالياً 895 دولاراً، ويتعين على المرضى دفع كامل التكاليف. وحال حصول «شيلد» على موافقة إدارة الغذاء والدواء، من المحتمل أن يتراجع السعر. إلا أن الحصول على نتيجة مريبة من اختبار الدم، سيستلزم إجراء متابعة عبر فحص القولون بالمنظار، الأمر الذي سيتطلب تكلفة كبيرة.

حدد اختبار الدم «شيلد» بدقة 83 % من حالات الإصابة بسرطان القولون والمستقيم

أسئلة من دون إجابات

مع أن فحص الدم البسيط للكشف عن سرطان القولون والمستقيم يبدو أمراً مثيراً، تبقى هناك الكثير من الأسئلة دونما إجابة حوله.

مثلاً، لا نعرف حتى الآن عدد المرات التي سيكون من الضروري إجراء هذا الاختبار. من جهتها، توصي الشركة المصنعة بإجراء الاختبار كل ثلاث سنوات، أي مثل اختبار FIT-DNA، لكن لا توجد توصية رسمية بعد بإجراء فحص الدم.

فيما يخص فحص القولون بالمنظار، يجب على الشخص المعرَّض لخطر الإصابة بسرطان القولون أن يخضع للفحص كل 10 سنوات.

ومن غير الواضح كذلك ما إذا كان اختبار الدم سيكون فعالاً من حيث التكلفة حقاً، بالنظر إلى معدل النتائج الإيجابية الكاذبة لديه، أو ما إذا كان مناسباً.

علاوة على ما سبق، فإننا لا نعرف ما إذا كان اختبار الدم سيعمل بشكل جيد لدى الشباب. يذكر أنه في إطار دراسة «شيلد» المنشورة عام 2024، تراوحت أعمار المشاركين بين 45 و84 عاماً.

على أدنى تقدير، بإمكاننا الوثوق في أن لدينا بالفعل اختبارات فحص لسرطانات القولون والمستقيم جيدة، ونأمل في أن أسلوب فحص جديد أبسط ربما يكون بالطريق إلينا.

في هذا السياق، عبّر الدكتور فريدمان عن اعتقاده بأنه: «ربما يفضل الكثيرون إجراء فحص دم للكشف عن سرطانات القولون والمستقيم، لكن الاختبار ليس جاهزاً تماماً للاستخدام بكثافة بعد. وهناك حاجة إلى تأكيد النتائج الحالية حول (شيلد) عبر المزيد من الدراسات».

وأضاف: «السؤال هنا: هل أعتقد أن فحص البراز أو الدم سيكون اختباراً جيداً مثل فحص القولون بالمنظار؟ لست واثقاً من ذلك؛ لأنه لا يوجد بديل للحصول على نظرة جيدة داخل القولون. أضف إلى ذلك، أنه ليس جميع أنواع السرطان تدفع بمواد جينية في الدم، لكن من يدري؟ ربما نعثر يوماً ما على مؤشر يكون قائماً قبل وقت طويل من اكتشاف السرطان».

سرطان القولون والمستقيم أحد أكثر أسباب الوفاة شيوعاً بين مرضى السرطان داخل الولايات المتحدة

هل يمكن تقليل خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم؟

كلما تقدمت في العمر، زاد خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم. ومع ذلك، يبقى العمر مجرد عامل خطر واحد للإصابة بسرطان القولون والمستقيم. وتتضمن العوامل الأخرى:

- الأورام الحميدة السابقة (نمو حميد في القولون أو المستقيم).

- إجراء إشعاع سابق على الحوض أو البطن.

- وجود تاريخ عائلي للإصابة بسرطان القولون والمستقيم.

- الإصابة بالسمنة، أو مرض السكري، أو مرض التهاب الأمعاء inflammatory bowel disease (مثل التهاب القولون التقرحي ulcerative colitis أو مرض كرون Crohn's disease).

- بعض الحالات الوراثية، مثل متلازمة لينتش Lynch syndrome.

- نمط الحياة القائم على الجلوس لفترات طويلة.

- اتباع نظام غذائي غني بالأطعمة الدهنية أو اللحوم الحمراء.

- انخفاض مستوى فيتامين دي في الدم

- التدخين أو تعاطي الكحول بكثرة

الملاحظ، أنه من المتعذر تغيير بعض عوامل الخطر هذه، مثل العمر والتاريخ العائلي وبعض الأمراض، لكن تبقى لديك بعض السيطرة على عادات نمط حياتك.

عليك البدء بممارسة الرياضة كل يوم، حتى لو كان ذلك لبضع دقائق فقط. واحرص على تناول نظام غذائي صحي غني بالألياف (الخضراوات والفواكه والبقوليات)، مع القليل من اللحوم الحمراء والأطعمة فائقة المعالجة (الوجبات السريعة). حاول إنقاص الوزن إذا كنت في حاجة إلى ذلك، وقلل استهلاك الكحول (لا يزيد على مشروب واحد يومياً للنساء، ومشروب واحد أو اثنين للرجال). وإذا كنت تدخن، فابحث عن برنامج لمعاونتك على الإقلاع عن التدخين.

ستساعد كل خطوة تتخذها في تقليل خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم، وكذلك تجنب الكثير من أنواع السرطان الأخرى والأمراض المزمنة.

* رسالة هارفارد الصحية - خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف
TT

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف. مع كل نوبة، قد يبدو الألم لا يُطاق، مُصاحباً بأعراض شديدة كالغثيان والحساسية للضوء والصوت. وعلى الرغم من أن أعراض الصداع النصفي مؤقتة، فإن مدة ألم الصداع يمكن أن تجعل المريض يشعر باليأس وكأن الحياة قد انتهت.

ولكن ومع التطورات الطبية الحديثة، بدأت تظهر خيارات علاجية تُعيد الأمل لملايين المرضى حول العالم تتحكم في الصداع النصفي فور حدوثه ومنعه من التدخل في النشاط اليومي للمريض.

مؤتمر طبي

نظّمت الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، يوم الثلاثاء، 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، مؤتمراً طبياً بعنوان «نهج جديد في علاج الصداع النصفي» (NEW APPROACH in MIGRAINE TREATMENT). وعُقد المؤتمر بالتعاون مع المركز الطبي الدولي وشركة «Abbvie» الطبية، وقام ملتقى الخبرات بتنظيمه.

غلاف كتيّب المؤتمر

شاركت في المؤتمر نخبة من المتخصصين، إذ قدّم الدكتور سعيد الغامدي، استشاري الأعصاب بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة، وأستاذ مساعد في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية، عرضاً حول خيارات العلاج المستهدف للصداع النصفي من خلال التجارب السريرية.

كما تناولت الدكتورة ميساء خليل، استشارية طب الأسرة ومتخصصة في الرعاية الوقائية وطب نمط الحياة، أهمية دور الرعاية الأولية في التعامل مع الصداع وعبء الصداع النصفي على عامة السكان.

واختتم الجلسات الدكتور وسام يمق، استشاري الأعصاب ومتخصص في علاج الصرع، بتسليط الضوء على الاحتياجات غير الملباة في العلاجات الحادة للصداع النصفي.

اضطراب عصبي شائع

في حديث خاص مع «صحتك»، أوضح الدكتور أشرف أمير، استشاري طب الأسرة، نائب رئيس الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، ورئيس المؤتمر، أن الصداع النصفي (الشقيقة) يُعد من أكثر الاضطرابات العصبية شيوعاً على مستوى العالم. وأشار إلى أنه اضطراب عصبي معيق يُصيب نحو مليار شخص عالمياً، يتميز بنوبات من الألم الشديد النابض، غالباً في أحد جانبي الرأس، وترافقه أحياناً أعراض مثل الغثيان، التقيؤ، والحساسية الشديدة للضوء والصوت، مما يؤثر بشكل كبير على حياة المرضى اليومية.

وأكد الدكتور أمير أن الصداع النصفي يؤثر على أكثر من عُشر سكان العالم، مما يجعله إحدى أكثر الحالات انتشاراً، والتي تنعكس سلباً على جودة حياة المصابين، إضافة إلى تأثيره الواضح على الإنتاجية وساعات العمل.

وأضاف أن التطورات الحديثة في مجال الأبحاث الطبية أسهمت في فهم أعمق لآلية حدوث الصداع النصفي، وهو ما فتح الباب أمام تطوير علاجات مبتكرة وفعّالة. كما أشار إلى أن هذا التقدم يمثل تحولاً كبيراً في التعامل مع هذا الاضطراب، الذي كان يُعدُّ في السابق حالة مرضية غامضة يصعب تفسيرها أو السيطرة عليها.

وبائيات الصداع النصفي

يعاني أكثر من مليار شخص حول العالم من الصداع النصفي، أي حوالي 11.6 في المائة من سكان العالم. وتظهر الدراسات أن النساء أكثر عُرضة للإصابة به مقارنةً بالرجال.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ترتفع النسبة إلى 11.9 في المائة. أما في السعودية، فيُقدَّر انتشار الصداع النصفي بـ9.7 في المائة، أي ما يعادل 3.2 مليون شخص، مما يجعله ثاني أكبر سبب للإعاقة بين السكان. وتُشير دراسات محلية، أُجريت في منطقة عسير، إلى أن الصداع النصفي أكثر انتشاراً في المدن (11.3 في المائة) مقارنة بالمناطق الريفية (7.6 في المائة)، وهو ما يعكس ارتباطه بعوامل بيئية وسلوكية متعددة.

عوامل الخطر والأسباب

* الآلية المرضية يُعتقد أن الصداع النصفي ينشأ من تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية والعصبية. وتُشير الدراسات الحديثة إلى أن نوبات الصداع النصفي قد تنشأ من فرط استثارة في قشرة الدماغ، ما يؤدي إلى تنشيط الجهاز العصبي الثلاثي. ويمكن لبعض المُحفّزات، مثل التقلبات الهرمونية، الإجهاد، نقص النوم، والعوامل الغذائية، أن تُساهم في بدء نوبات الصداع النصفي لدى بعض الأفراد المُعرضين لذلك.

أما أسباب الصداع النصفي فتتضمن عوامل متعددة تشمل:

* العامل الجيني: تلعب الوراثة دوراً مهماً في زيادة احتمال الإصابة بالصداع النصفي، إذ تشير الأبحاث إلى ارتباط الجينات ببعض البروتينات العصبية مثل «الببتيد» المرتبط بجين «الكالسيتونين» (Calcitonin Gene-Related Peptide, CGRP).

* التغيرات في الدماغ: تساهم بعض الاضطرابات في نظام التفاعل بين الأوعية الدموية والجهاز العصبي المركزي في زيادة احتمال الإصابة.

* العوامل البيئية: يمكن أن تؤدي التغيرات البيئية مثل التوتر، أو النوم غير المنتظم، أو بعض أنواع الأطعمة والمشروبات إلى تحفيز النوبات.

مراحل الصداع النصفي والتشخيص

* مرحلة البادرة (Prodrome): تبدأ بتغيرات مزاجية، شعور بالتعب، أو حتى رغبة ملحة في تناول الطعام.

* مرحلة الهالة (Aura): تشمل اضطرابات بصرية أو حسية تحدث قبل نوبة الصداع، وتظهر لدى بعض المرضى فقط.

* مرحلة الألم: يصاحبها ألم شديد نابض، غالبًا في جهة واحدة من الرأس، وتستمر من 4 إلى 72 ساعة.

* مرحلة ما بعد الألم (Postdrome): تتسم بالإرهاق والارتباك، لكنها تُعد علامة على انتهاء النوبة.

* التشخيص: يعتمد أساساً على التاريخ المرضي والفحص السريري، مع استبعاد الأسباب العضوية الأخرى. وتشمل المعايير التي يعتمد عليها الأطباء في التشخيص حدوث خمس نوبات على الأقل متكررة من الصداع، تدوم بين 4 و72 ساعة، ومصحوبة بعلامتين من العلامات التالية: ألم من جهة واحدة، نبضات شديدة، ألم شديد، وأعراض مصاحبة كالغثيان.

خيارات علاجية تقليدية وحديثة

وتشمل:

* أولاً: مسكنات الألم. تاريخياً، اعتمدت إدارة الصداع النصفي على مزيج من العلاجات الحادة والوقائية، بما في ذلك مسكنات الألم المتوفرة بدون وصفة طبية، ومضادات المهاجمات، والأدوية الوقائية مثل مضادات الاكتئاب، ومضادة للصرع، وحقن البوتكس. وعلى الرغم من أن هذه العلاجات وفرت الراحة لكثير من المرضى، فإنها محدودة في فاعليتها ولا تخلو من الآثار الجانبية.

* ثانياً: خيارات علاجية «دوائية» حديثة. تؤكد الأبحاث العلمية أن تصميم عقار موجه خصيصاً لعلاج مرض معين يُعد الخطوة الأمثل لتحقيق فاعلية أعلى وتقليل الآثار الجانبية. ودفع هذا المبدأ الباحثين إلى الغوص عميقاً في دراسة آليات الصداع النصفي، ما قادهم لاكتشاف دور بروتين محدد يُعرف بـ«CGRP». ويُطلق هذا البروتين أثناء نوبة الصداع النصفي وينخفض مستواه بمجرد انتهاء النوبة.

في إحدى الدراسات، عندما تم حقن الأشخاص ببروتين (CGRP)، أُصيبوا بنوبات تُشبه الصداع النصفي، ما أكد دوره الحاسم في هذه الحالة. وأدى هذا الاكتشاف إلى تحول جذري في علاج الصداع النصفي، إذ تمت الموافقة في عام 2018 من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية على أول جسم مضاد أحادي النسيلة يستهدف البروتين (CGRP) للوقاية من الصداع النصفي. ويعدُّ هذا العلاج المبتكر خياراً مستهدفاً ودقيقاً، إذ يعمل على تعطيل مسار البروتين العصبي المسؤول عن نوبات الصداع النصفي، مما يمثل نقلة نوعية في تحسين حياة المرضى.

وتشمل هذه الأدوية:

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة للببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP)، تمت الموافقة على أربعةٍ منها من قبل إدارة الغذاء والدواء: «إبتينيزوماب» (eptinezumab)، «إرينوماب» (erenumab)، «فريمانيزوماب» (fremanezumab)، و«جالكانيزوماب» (galcanezumab). وقد تم تصميمها للعثور على بروتينات (CGRP)، وقد أظهرت فاعليتها في تقليل شدة وتكرار النوبات، سواء أُعطيت عن طريق الفم أو الحقن تحت الجلد، مع حد أدنى من الآثار الجانبية مقارنة بالعلاجات الوقائية التقليدية.

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة لمستقبلات الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP). تحتضن هذه الأجسام المستقبلات بشكل أساسي بحيث تكون غير نشطة، هما اثنتان: «أبروجيبانت» (Ubrogepant) و«ريميجيبانت» (rimegepant)، وهما أحدث العقاقير لعلاج الصداع النصفي عند الحاجة والتي لا تؤدي إلى تضييق الأوعية الدموية. تعمل هذه الأدوية عن طريق الفم على حظر مستقبلات (CGRP) على أمل إيقاف نوبة الصداع النصفي المستمرة بالفعل. ومن حسنات هذه الأدوية أن ليس لها خطر الإصابة بالصداع الناجم عن الإفراط في تناول الأدوية مثل بعض علاجات الصداع النصفي الأخرى.

نظم الذكاء الاصطناعي وأدوات الصحة الرقمية تسهم في تحسين دقة التشخيص وإدارة المرض

علاجات بلا أدوية

* ثالثاً: خيارات علاجية «غير دوائية»، وتضم:

- أجهزة التعديل العصبي القابلة للارتداء. تُعد هذه الأجهزة طريقة علاجية مبتكرة لعلاج الصداع النصفي، إذ تستخدم نبضات كهربائية أو مغناطيسية إلى الرأس أو الرقبة أو الذراع لتعديل نشاط المسارات العصبية المحددة المشاركة في آلية حدوث الصداع النصفي، تعمل على إعادة النشاط الكهربائي غير الطبيعي في الدماغ إلى طبيعته.

وقد أثبتت الدراسات أن استخدام هذه الأجهزة، المعتمدة من قبل إدارة الغذاء والدواء أظهر نتائج واعدة في إدارة الصداع النصفي الحاد والوقائي، مما يوفر بديلاً خالياً من الأدوية، وهي آمنة وآثارها الجانبية قليلة جداً.

- استخدام الذكاء الاصطناعي. أسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين دقة التشخيص عن طريق تطوير خوارزميات تستطيع تحليل التاريخ المرضي وبيانات المرضى لتحديد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالصداع النصفي، مما يساعد في توفير علاجات موجهة وفعالة.

- أدوات الصحة الرقمية. بالإضافة إلى العلاجات الدوائية والقائمة على الأجهزة، أدت الصحة الرقمية إلى تطوير تطبيقات الهواتف المحمولة والتقنيات القابلة للارتداء التي يمكن أن تساعد في إدارة الصداع النصفي. يمكن لهذه الأدوات الرقمية مساعدة المرضى في تتبع أعراضهم، وتحديد المُحفّزات، وتقديم توصيات مخصصة للتعديلات في نمط الحياة وأساليب العلاج.

تعاون عالمي ومحلي

مع التطورات العلمية الحديثة في فهم آلية حدوث الصداع النصفي وتطوير خيارات علاجية مبتكرة، لم يعد الصداع النصفي حُكماً على حياة المرضى بالتوقف.

وتلعب الجمعيات الطبية والهيئات الصحية، مثل الجمعية السعودية للصداع، دوراً محورياً في تحسين حياة المرضى من خلال التوعية، وتوفير خيارات علاجية موجهة.

ويبدأ الحل بالبحث عن العلاج المناسب وعدم تجاهل هذه الحالة العصبية المعقدة. ومع الاستمرار في الابتكار، يمكننا تخفيف العبء وتحقيق جودة حياة أفضل للمرضى.

*استشاري طب المجتمع