«السكري... ألم وأمل»

مؤتمر طبي إعلامي بمناسبة «اليوم العالمي للسكري»

«السكري... ألم وأمل»
TT

«السكري... ألم وأمل»

«السكري... ألم وأمل»

يُعَد داء السكري تحدياً معقداً يواجه المجتمعات، والاقتصاديات، والنُظُم الصحية في دول العالم، أكثر من أنه مجرد اضطراب في مستوى السكر بالدم. كما يُعَدُّ سبباً رئيسياً للعديد من المضاعفات الخطيرة التي قد تصل إلى درجة الإعاقة أو حتى الوفاة، مثل أمراض القلب والكلى، وفقدان البصر، وأمراض الأعصاب. ومن هنا تأتي أهمية الحديث عن هذا المرض والتوعية بمخاطره.

في المملكة العربية السعودية، نواجه تحدياً خاصاً، حيث تُظهر الإحصاءات ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الإصابة بداء السكري، ما يستوجب من الجميع - مختصين وأفراد المجتمع - تكاتف الجهود للوقاية منه والسيطرة عليه.

شعار المؤتمر

مؤتمر طبي إعلامي

عقدت «الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع» مؤتمراً صحافياً بعنوان «مرض السكري... ألم وأمل» بالتعاون مع شركة «فايزر السعودية»، بالتزامن مع المناسبة السنوية «اليوم العالمي للسكري».

بدايةً أشاد الدكتور هاني الهاشمي، المدير التنفيذي للإدارة الطبية لشركة «فايزر السعودية»، بدور «الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع» في نشر الحملات التوعوية للتوعية بمختلف الأمراض والتعريف بأحدث طرق الوقاية والعلاج منها، منها التوعية بمخاطر مرض السكري، وعرض آخر التحديثات الخاصة بمراقبة السكر في الدم من ناحية، وأحدث الحلول العلاجية من ناحية أخرى.

واشتمل المؤتمر على محاضرات توعوية بحضور عدد من الإعلاميين والصحافيين ممثلين عن عدد من الصحف والمجلات السعودية، وكان من ضمنهم ممثل ملحق «صحتك» بالشرق الأوسط.

السكري.. ألم وأمل

تحدث في المؤتمر الأستاذ الدكتور سعود السفري، استشاري الغدد الصماء والسكري في مستشفيات القوات المسلحة بالهدا والطائف نائب رئيس الجمعية العلمية السعودية لداء السكري، وأشار في محاضرته «السكري... ألم وأمل» إلى أن الخطورة الكبرى للسكري تكمن في أن مضاعفاته لا تقتصر فقط على مستوى الضرر الذي يمكن أن يُحدثه على المدى القصير، لكنها تتعدى ذلك إلى مخاطر طويلة الأمد قد تؤثر على جودة حياة المريض وصحته بشكل عام. وتتطلب هذه المضاعفات رعايةً طبيةً مستمرةً، وقد تحتاج إلى تدخلات علاجية متخصصة.

أهم مضاعفات السكري

* مضاعفات القلب والأوعية الدموية: داء السكري يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب الإكليلية؛ الذبحة الصدرية، النوبة القلبية، السكتة الدماغية، وارتفاع ضغط الدم.

* الاعتلال الكلوي السكري: يُمكن أن يؤدي ارتفاع مستوى السكر في الدم على المدى الطويل إلى تلف الكلى، ما قد يؤدي في النهاية إلى الفشل الكلوي الذي يتطلب الغسيل الكلوي أو زرع الكلى.

* الاعتلال العصبي السكري: السكري يمكن أن يتلف الأعصاب في الجسم، مما يسبب الخدر، الألم، الوخز، وضعفاً في الأطراف، ويمكن أن يؤدي إلى مشكلات في الهضم، والأعضاء الجنسية وغيرها.

* مشكلات في العيون والبصر: بما في ذلك الإصابة بالمياه البيضاء، اعتلال الشبكية السكري، وحتى فقدان البصر.

* مشكلات الجلد: السكري يمكن أن يؤدي إلى مشكلات جلدية، بما في ذلك العدوى البكتيرية والفطرية.

* صحة الفم: مثل أمراض اللثة، جفاف الفم والتهاب اللثة.

* مشكلات القدم: تلف الأعصاب في القدمين أو تدفق الدم الضعيف يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات خطيرة في القدم، من العدوى وحتى الحاجة إلى البتر.

* التأثيرات النفسية: بما في ذلك القلق، الاكتئاب، واضطرابات الأكل.

* مضاعفات الحمل: السكري يمكن أن يزيد من مخاطر مضاعفات الحمل، بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم، والولادة المبكرة، وسكري الحمل.

أهم المستجدات

أوضح الدكتور السفري أن نمط الحياة لمرضى السكري يتأثر بعدة عوامل تشمل السيطرة على مستويات السكر في الدم، الأعراض الجانبية للأدوية، والمضاعفات المحتملة للمرض. ولذلك فإن المستجدات والتطورات الحديثة تهدف إلى تحسين هذه العوامل والتقليل من التدخلات اليومية والشعور بالقلق المرتبط بالمراقبة المستمرة والتقليل من الأخطاء البشرية بشكل كبير مما ينعكس بشكل إيجابي على حياة مريض السكري.

ومن أهم المستجدات:

أولاً- تحديثات في مراقبة مستوى السكر

في السنوات الأخيرة، شهدت أساليب مراقبة مستوى السكر في الدم طفرات تكنولوجية كبيرة، التي ساهمت في تسهيل إدارة داء السكري بشكل فعال أكثر من أي وقت مضى. من أبرز هذه التطورات:

* أنظمة مراقبة الغلوكوز المستمرة (CGM): هذه الأجهزة تقيس مستويات الغلوكوز في السوائل تحت الجلد بشكل مستمر، ما يوفر للمرضى معلومات فورية عن مستوى السكر في الدم. كما تساعد في التنبؤ بالاتجاهات والنماذج، مما يساعد في تجنب مستويات السكر المرتفعة أو المنخفضة قبل أن تحدث.

* مضخات الإنسولين المتطورة: مضخات الإنسولين الحديثة تأتي متكاملة مع أنظمة «CGM»، مما يسمح بتعديلات تلقائية لجرعات الإنسولين بناءً على مستوى الغلوكوز في الدم.

* تقنيات الإرسال اللاسلكية: تمكّن المرضى من متابعة مستويات الجلوكوز عبر أجهزتهم الذكية أو الساعات الذكية ومشاركتها مع مقدمي الرعاية الصحية بشكل مباشر، مما يسهم في تحسين السيطرة على السكري.

* الإبر الذكية وأقلام الإنسولين: تتمتع بميزات كالجرعات الدقيقة وتسجيل وقت وحجم الجرعات التي تم أخذها، وبعضها يمكنه التواصل مع تطبيقات الهواتف الذكية لتسجيل وتتبع جرعات الإنسولين.

* أجهزة قياس السكر بدون وخز: على الرغم من أن هذه التقنية لا تزال في مراحلها الأولى من التطوير، إلا أن هناك أجهزة قيد البحث والتطوير تهدف إلى قياس مستويات الغلوكوز بدون الحاجة لأخذ عينات الدم بالطرق التقليدية.

* تطبيقات الهاتف الجوال والبرمجيات: تطبيقات متعددة تساعد المرضى في تتبع مستويات السكر في الدم، النظام الغذائي، النشاط البدني وحتى التحكم في مستويات التوتر، كل هذا يساهم في إدارة أفضل لداء السكري.

ثانياً تحديثات الإنسولين الأسبوعي:

* التحسين في الالتزام بالعلاج: الإنسولين الأسبوعي يقلل من عدد الحقن اللازمة، ما يساعد المرضى على الالتزام بخطة العلاج بشكل أفضل.

* تنظيم أفضل لمستوى السكر: بفضل استمرار مفعوله لفترة طويلة، يُسهم في تقليل التقلبات في مستويات السكر بالدم، مما يعزز من السيطرة على السكري.

* تأمين راحة المرضى: يُقلل الحاجة لتذكر الحقن اليومية أو الحاجة لحمل مستلزمات الإنسولين، مما يوفر راحة أكبر للمرضى، خصوصاً للذين يعانون من صعوبات في التعامل مع الحقن اليومية.

* تأثيرات جانبية أقل: بعض الدراسات تشير إلى أن الإنسولين الأسبوعي يمكن أن يكون له تأثيرات جانبية أقل مقارنةً بالإنسولين اليومي، خصوصاً فيما يتعلق بانخفاض مستوى السكر في الدم.

ثالثاً- تحديثات أشباه الغلوكاجون

أشباه الببتيد المشابه للجغوكاجون النوع 1 (GLP-1 RAs) هي فئة من الأدوية التي تحاكي عمل الهرمونات الطبيعية في الجسم التي تُفرز استجابةً لتناول الطعام. وتُستخدم هذه الأدوية لعلاج داء السكري من النوع الثاني، وقد شهدت تطورات مهمة في السنوات الأخيرة، نذكر منها:

* تحسين في التركيبة والتوصيل: تم تطوير تركيبات جديدة لـ«GLP-1 RAs» تتيح إعطاء الدواء بشكل أقل تواتراً، مثل التركيبات الأسبوعية التي تحسن الالتزام بالعلاج.

* فاعلية محسنة: الأجيال الجديدة من «GLP-1 RAs» تمتاز بفاعلية أكبر في خفض مستويات السكر في الدم ودعم فقدان الوزن، مما يسهم في التحكم الأفضل للمرض.

* تأثيرات إيجابية متعددة: تُظهر الدراسات أن «GLP-1 RAs» لها تأثيرات إيجابية على عوامل الخطر القلبية الوعائية، وقد تُستخدم لتحسين نتائج القلب والأوعية الدموية لدى مرضى السكري.

أهم الركائز لرعاية مرضى السكري

تحدث في المؤتمر الدكتور فهد السبعان، استشاري ومدير مركز السكري والغدد الصماء بمستشفى قوى الأمن بالرياض، وتطرق في محاضرته «أهم الركائز لرعاية مرضى السكري» إلى المبادئ الأساسية لعلاج مرض السكري، وأنه مع تقدم العلم والتكنولوجيا، تطورت أساليب إدارة داء السكري بشكل ملحوظ، مما وفر خيارات أكثر للمرضى والمختصين للتحكم في المرض بفاعلية أكبر.

* توظيف التقنيات الرقمية: ويعد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحليل البيانات الصحية وتوفير رؤى تنبؤية يمكن أن تساعد في التحكم الشخصي والمبكر للمرض، كما شدد على أهمية استخدام المنصات الرقمية لتقديم التعليم المستمر والدعم للمرضى، بما في ذلك تطبيقات المحمول، الألعاب الصحية، ومجتمعات الدعم عبر الإنترنت.

* تطوير الأدوية: ومع التطورات الحديثة في علاج داء السكري، ظهرت مفاهيم جديدة لتسهيل إدارة الإنسولين. من أبرز هذه الابتكارات تطوير الإنسولين طويل المفعول الذي يُعطى مرة واحدة أسبوعياً. وكذلك استخدام الأدوية الحديثة مثل أشباه «الببتيد» المشابهة لـ«الغلوكاجون النوع 1»، التي تحاكي عمل الهرمونات الطبيعية في الجسم التي تُفرز استجابةً لتناول الطعام، والتي تُستخدم لعلاج داء السكري من النوع الثاني.

* النظام الغذائي: وشدد الدكتور السبعان على أهمية التركيز على النظام الغذائي الشخصي، خصوصاً النظم الغذائية المنخفضة الكربوهيدرات، والنشاط البدني المنتظم، لدورهما الكبير في التحكم بالسكري، واستخدام التطبيقات التي تساعد المرضى في تتبع مستويات السكر في الدم؛ النظام الغذائي، النشاط البدني وحتى التحكم في مستويات التوتر، كل هذا يساهم في إدارة أفضل لداء السكري.

* تجنب العدوى: كما أكد على ضرورة توعية مرضى السكري بأنهم أكثر عرضة للإصابة بالعدوى البكتيرية أو الفيروسية، بما في ذلك التهابات الجهاز التنفسي مثل المكورات الرئوية، «كوفيد-19»، الفيروس المخلوي التنفسي. ولحسن الحظ، فمن الممكن لهم حماية أنفسهم بأخذ التطعيمات المقررة حسب إرشادات وزارة الصحة، ويمكن لمرضى السكري التوجه لأي عيادة رعاية أولية للحصول على التطعيمات.

كما وأن مرضى السكري يعدّون من الأشخاص المعرضين للإصابة بمضاعفات خطيرة إذا أصيبوا بعدوى «كوفيد-19»، فمن المهم اتباع الخطوات التالية لحماية أنفسهم: اعرف، خطط، ابدأ. اعرف إذا كنت أنت أو أي شخص في مجتمعك يعاني من مرض مزمن مثل السكري. خطط بسرعة لأخذ الإجراءات اللازمة إذا كنت تعاني من أحد أعراض «كوفيد-19»، ويفضل أخذ الفحص الذاتي للمعرفة، إذا تمت الإصابة بـ«كوفيد-19»، ابدأ بنشر التوعية واستشارة الطبيب، كما يجب أن تبدأ بعلاج «كوفيد-19» باتباع إرشادات وزارة الصحة.

10 طرق لتجنب مضاعفات السكري

- الالتزام بمعالجة داء السكري.

- الامتناع عن التدخين، لتقليل المضاعفات ومنها أمراض القلب، السكتة الدماغية، أمراض العيون، تلف الأعصاب، مرض الكلى، تدفق الدم في الساقين والقدمين، والموت المبكر.

- التحكم في ضغط الدم ومستويات الكوليسترول.

- جدولة الفحوص الطبية وكشوف البصر بشكل منتظم.

- تحديث التطعيمات لمواكبة آخر المعطيات، فتلقي اللقاحات بانتظام يساعد على الوقاية من أنواع كثيرة من العدوى، بما في ذلك التهابات الجهاز التنفسي مثل المكورات الرئوية، «كوفيد-19»، والفيروس المخلوي التنفسي. ويقي لقاح الإنفلونزا كل عام من المضاعفات الحادة للإنفلونزا. وأخذ لقاح التهاب الرئة كل خمس سنوات، ولقاح التهاب الكبد بي، ولقاح حقنة الكزاز، كل 10 سنوات، وكذلك تطعيمات «الكوفيد».

- الحرص على العناية بالأسنان.

- العناية بالقدمين.

- تناول الأسبرين في حالة الإصابة بمرض السكري، ووجود مخاطر أخرى للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، حسب استشارة الطبيب.

- الابتعاد عن شرب الكحوليات.

- إدارة الإجهاد البدني والضغط النفسي والحصول على وقت كافٍ من النوم.


مقالات ذات صلة

صحتك علبة من عقّار «أوزمبيك» (رويترز)

«أوزمبيك» يقلل خطر الوفاة المبكرة بعد السكتة الدماغية

كشفت دراسة جديدة أن تناول الناجين من السكتة الدماغية لدواء السكري وإنقاص الوزن الشهير «أوزمبيك» يمكن أن يخفض خطر تعرضهم لوفاة مبكرة بشكل كبير.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك المشي ولو لمدة قصيرة مساءً له فوائد صحية جمّة (رويترز)

من بينها التصدي لسرطان الأمعاء والسكري... الفوائد الصحية للمشي مساءً

كشفت مجموعة من الدراسات العلمية أن المشي ولو لمدة قصيرة مساءً، له فوائد صحية جمّة، من تحسين عملية الهضم إلى تنظيم نسبة السكر في الدم والتصدي للسرطان.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك شخص يجري اختباراً لقياس نسبة السكر في الدم (جامعة كمبردج)

الثقة بالنفس تُحسّن مستويات السكر في الدم

كشفت دراسة، أجراها فريق بحثي من جامعة قرطبة في إسبانيا، عن أن الثقة بالنفس قد تسهم في تحسين مستويات السكر في الدم لدى مرضى السكري من النوع الأول.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك الإصابة بحصوات الكلى والنقرس من الحالات الشائعة (المعهد الوطني للصحة بالولايات المتحدة)

أدوية للسكري تخفّض خطر الإصابة بحصوات الكلى

أظهرت دراسة جديدة أنّ نوعاً من أدوية علاج مرض السكري من النوع الثاني قد يساعد في تقليل خطر الإصابة بحصوات الكلى.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف
TT

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف. مع كل نوبة، قد يبدو الألم لا يُطاق، مُصاحباً بأعراض شديدة كالغثيان والحساسية للضوء والصوت. وعلى الرغم من أن أعراض الصداع النصفي مؤقتة، فإن مدة ألم الصداع يمكن أن تجعل المريض يشعر باليأس وكأن الحياة قد انتهت.

ولكن ومع التطورات الطبية الحديثة، بدأت تظهر خيارات علاجية تُعيد الأمل لملايين المرضى حول العالم تتحكم في الصداع النصفي فور حدوثه ومنعه من التدخل في النشاط اليومي للمريض.

مؤتمر طبي

نظّمت الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، يوم الثلاثاء، 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، مؤتمراً طبياً بعنوان «نهج جديد في علاج الصداع النصفي» (NEW APPROACH in MIGRAINE TREATMENT). وعُقد المؤتمر بالتعاون مع المركز الطبي الدولي وشركة «Abbvie» الطبية، وقام ملتقى الخبرات بتنظيمه.

غلاف كتيّب المؤتمر

شاركت في المؤتمر نخبة من المتخصصين، إذ قدّم الدكتور سعيد الغامدي، استشاري الأعصاب بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة، وأستاذ مساعد في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية، عرضاً حول خيارات العلاج المستهدف للصداع النصفي من خلال التجارب السريرية.

كما تناولت الدكتورة ميساء خليل، استشارية طب الأسرة ومتخصصة في الرعاية الوقائية وطب نمط الحياة، أهمية دور الرعاية الأولية في التعامل مع الصداع وعبء الصداع النصفي على عامة السكان.

واختتم الجلسات الدكتور وسام يمق، استشاري الأعصاب ومتخصص في علاج الصرع، بتسليط الضوء على الاحتياجات غير الملباة في العلاجات الحادة للصداع النصفي.

اضطراب عصبي شائع

في حديث خاص مع «صحتك»، أوضح الدكتور أشرف أمير، استشاري طب الأسرة، نائب رئيس الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، ورئيس المؤتمر، أن الصداع النصفي (الشقيقة) يُعد من أكثر الاضطرابات العصبية شيوعاً على مستوى العالم. وأشار إلى أنه اضطراب عصبي معيق يُصيب نحو مليار شخص عالمياً، يتميز بنوبات من الألم الشديد النابض، غالباً في أحد جانبي الرأس، وترافقه أحياناً أعراض مثل الغثيان، التقيؤ، والحساسية الشديدة للضوء والصوت، مما يؤثر بشكل كبير على حياة المرضى اليومية.

وأكد الدكتور أمير أن الصداع النصفي يؤثر على أكثر من عُشر سكان العالم، مما يجعله إحدى أكثر الحالات انتشاراً، والتي تنعكس سلباً على جودة حياة المصابين، إضافة إلى تأثيره الواضح على الإنتاجية وساعات العمل.

وأضاف أن التطورات الحديثة في مجال الأبحاث الطبية أسهمت في فهم أعمق لآلية حدوث الصداع النصفي، وهو ما فتح الباب أمام تطوير علاجات مبتكرة وفعّالة. كما أشار إلى أن هذا التقدم يمثل تحولاً كبيراً في التعامل مع هذا الاضطراب، الذي كان يُعدُّ في السابق حالة مرضية غامضة يصعب تفسيرها أو السيطرة عليها.

وبائيات الصداع النصفي

يعاني أكثر من مليار شخص حول العالم من الصداع النصفي، أي حوالي 11.6 في المائة من سكان العالم. وتظهر الدراسات أن النساء أكثر عُرضة للإصابة به مقارنةً بالرجال.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ترتفع النسبة إلى 11.9 في المائة. أما في السعودية، فيُقدَّر انتشار الصداع النصفي بـ9.7 في المائة، أي ما يعادل 3.2 مليون شخص، مما يجعله ثاني أكبر سبب للإعاقة بين السكان. وتُشير دراسات محلية، أُجريت في منطقة عسير، إلى أن الصداع النصفي أكثر انتشاراً في المدن (11.3 في المائة) مقارنة بالمناطق الريفية (7.6 في المائة)، وهو ما يعكس ارتباطه بعوامل بيئية وسلوكية متعددة.

عوامل الخطر والأسباب

* الآلية المرضية يُعتقد أن الصداع النصفي ينشأ من تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية والعصبية. وتُشير الدراسات الحديثة إلى أن نوبات الصداع النصفي قد تنشأ من فرط استثارة في قشرة الدماغ، ما يؤدي إلى تنشيط الجهاز العصبي الثلاثي. ويمكن لبعض المُحفّزات، مثل التقلبات الهرمونية، الإجهاد، نقص النوم، والعوامل الغذائية، أن تُساهم في بدء نوبات الصداع النصفي لدى بعض الأفراد المُعرضين لذلك.

أما أسباب الصداع النصفي فتتضمن عوامل متعددة تشمل:

* العامل الجيني: تلعب الوراثة دوراً مهماً في زيادة احتمال الإصابة بالصداع النصفي، إذ تشير الأبحاث إلى ارتباط الجينات ببعض البروتينات العصبية مثل «الببتيد» المرتبط بجين «الكالسيتونين» (Calcitonin Gene-Related Peptide, CGRP).

* التغيرات في الدماغ: تساهم بعض الاضطرابات في نظام التفاعل بين الأوعية الدموية والجهاز العصبي المركزي في زيادة احتمال الإصابة.

* العوامل البيئية: يمكن أن تؤدي التغيرات البيئية مثل التوتر، أو النوم غير المنتظم، أو بعض أنواع الأطعمة والمشروبات إلى تحفيز النوبات.

مراحل الصداع النصفي والتشخيص

* مرحلة البادرة (Prodrome): تبدأ بتغيرات مزاجية، شعور بالتعب، أو حتى رغبة ملحة في تناول الطعام.

* مرحلة الهالة (Aura): تشمل اضطرابات بصرية أو حسية تحدث قبل نوبة الصداع، وتظهر لدى بعض المرضى فقط.

* مرحلة الألم: يصاحبها ألم شديد نابض، غالبًا في جهة واحدة من الرأس، وتستمر من 4 إلى 72 ساعة.

* مرحلة ما بعد الألم (Postdrome): تتسم بالإرهاق والارتباك، لكنها تُعد علامة على انتهاء النوبة.

* التشخيص: يعتمد أساساً على التاريخ المرضي والفحص السريري، مع استبعاد الأسباب العضوية الأخرى. وتشمل المعايير التي يعتمد عليها الأطباء في التشخيص حدوث خمس نوبات على الأقل متكررة من الصداع، تدوم بين 4 و72 ساعة، ومصحوبة بعلامتين من العلامات التالية: ألم من جهة واحدة، نبضات شديدة، ألم شديد، وأعراض مصاحبة كالغثيان.

خيارات علاجية تقليدية وحديثة

وتشمل:

* أولاً: مسكنات الألم. تاريخياً، اعتمدت إدارة الصداع النصفي على مزيج من العلاجات الحادة والوقائية، بما في ذلك مسكنات الألم المتوفرة بدون وصفة طبية، ومضادات المهاجمات، والأدوية الوقائية مثل مضادات الاكتئاب، ومضادة للصرع، وحقن البوتكس. وعلى الرغم من أن هذه العلاجات وفرت الراحة لكثير من المرضى، فإنها محدودة في فاعليتها ولا تخلو من الآثار الجانبية.

* ثانياً: خيارات علاجية «دوائية» حديثة. تؤكد الأبحاث العلمية أن تصميم عقار موجه خصيصاً لعلاج مرض معين يُعد الخطوة الأمثل لتحقيق فاعلية أعلى وتقليل الآثار الجانبية. ودفع هذا المبدأ الباحثين إلى الغوص عميقاً في دراسة آليات الصداع النصفي، ما قادهم لاكتشاف دور بروتين محدد يُعرف بـ«CGRP». ويُطلق هذا البروتين أثناء نوبة الصداع النصفي وينخفض مستواه بمجرد انتهاء النوبة.

في إحدى الدراسات، عندما تم حقن الأشخاص ببروتين (CGRP)، أُصيبوا بنوبات تُشبه الصداع النصفي، ما أكد دوره الحاسم في هذه الحالة. وأدى هذا الاكتشاف إلى تحول جذري في علاج الصداع النصفي، إذ تمت الموافقة في عام 2018 من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية على أول جسم مضاد أحادي النسيلة يستهدف البروتين (CGRP) للوقاية من الصداع النصفي. ويعدُّ هذا العلاج المبتكر خياراً مستهدفاً ودقيقاً، إذ يعمل على تعطيل مسار البروتين العصبي المسؤول عن نوبات الصداع النصفي، مما يمثل نقلة نوعية في تحسين حياة المرضى.

وتشمل هذه الأدوية:

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة للببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP)، تمت الموافقة على أربعةٍ منها من قبل إدارة الغذاء والدواء: «إبتينيزوماب» (eptinezumab)، «إرينوماب» (erenumab)، «فريمانيزوماب» (fremanezumab)، و«جالكانيزوماب» (galcanezumab). وقد تم تصميمها للعثور على بروتينات (CGRP)، وقد أظهرت فاعليتها في تقليل شدة وتكرار النوبات، سواء أُعطيت عن طريق الفم أو الحقن تحت الجلد، مع حد أدنى من الآثار الجانبية مقارنة بالعلاجات الوقائية التقليدية.

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة لمستقبلات الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP). تحتضن هذه الأجسام المستقبلات بشكل أساسي بحيث تكون غير نشطة، هما اثنتان: «أبروجيبانت» (Ubrogepant) و«ريميجيبانت» (rimegepant)، وهما أحدث العقاقير لعلاج الصداع النصفي عند الحاجة والتي لا تؤدي إلى تضييق الأوعية الدموية. تعمل هذه الأدوية عن طريق الفم على حظر مستقبلات (CGRP) على أمل إيقاف نوبة الصداع النصفي المستمرة بالفعل. ومن حسنات هذه الأدوية أن ليس لها خطر الإصابة بالصداع الناجم عن الإفراط في تناول الأدوية مثل بعض علاجات الصداع النصفي الأخرى.

نظم الذكاء الاصطناعي وأدوات الصحة الرقمية تسهم في تحسين دقة التشخيص وإدارة المرض

علاجات بلا أدوية

* ثالثاً: خيارات علاجية «غير دوائية»، وتضم:

- أجهزة التعديل العصبي القابلة للارتداء. تُعد هذه الأجهزة طريقة علاجية مبتكرة لعلاج الصداع النصفي، إذ تستخدم نبضات كهربائية أو مغناطيسية إلى الرأس أو الرقبة أو الذراع لتعديل نشاط المسارات العصبية المحددة المشاركة في آلية حدوث الصداع النصفي، تعمل على إعادة النشاط الكهربائي غير الطبيعي في الدماغ إلى طبيعته.

وقد أثبتت الدراسات أن استخدام هذه الأجهزة، المعتمدة من قبل إدارة الغذاء والدواء أظهر نتائج واعدة في إدارة الصداع النصفي الحاد والوقائي، مما يوفر بديلاً خالياً من الأدوية، وهي آمنة وآثارها الجانبية قليلة جداً.

- استخدام الذكاء الاصطناعي. أسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين دقة التشخيص عن طريق تطوير خوارزميات تستطيع تحليل التاريخ المرضي وبيانات المرضى لتحديد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالصداع النصفي، مما يساعد في توفير علاجات موجهة وفعالة.

- أدوات الصحة الرقمية. بالإضافة إلى العلاجات الدوائية والقائمة على الأجهزة، أدت الصحة الرقمية إلى تطوير تطبيقات الهواتف المحمولة والتقنيات القابلة للارتداء التي يمكن أن تساعد في إدارة الصداع النصفي. يمكن لهذه الأدوات الرقمية مساعدة المرضى في تتبع أعراضهم، وتحديد المُحفّزات، وتقديم توصيات مخصصة للتعديلات في نمط الحياة وأساليب العلاج.

تعاون عالمي ومحلي

مع التطورات العلمية الحديثة في فهم آلية حدوث الصداع النصفي وتطوير خيارات علاجية مبتكرة، لم يعد الصداع النصفي حُكماً على حياة المرضى بالتوقف.

وتلعب الجمعيات الطبية والهيئات الصحية، مثل الجمعية السعودية للصداع، دوراً محورياً في تحسين حياة المرضى من خلال التوعية، وتوفير خيارات علاجية موجهة.

ويبدأ الحل بالبحث عن العلاج المناسب وعدم تجاهل هذه الحالة العصبية المعقدة. ومع الاستمرار في الابتكار، يمكننا تخفيف العبء وتحقيق جودة حياة أفضل للمرضى.

*استشاري طب المجتمع