هل فعلاً يميل العرب نحو من يقودهم بحزم؟ هل يختلف الصينيون والإسكندنافيون والأميركيون عن سائر الشعوب في الأسلوب القيادي الذي يؤثر فيهم. ومن واقع اختصاصي في القيادة، فقد اطلعت على العديد من «أمهات» الدراسات فوجدت أن الشعوب تتأثر بشكل إيجابي مع من يقودهم بالطريقة التي يرونها مناسبة أو تناسب ثقافتهم.
يبدو هذا كلاماً بديهياً، لكن مشروع «غلوب» الذي شارك فيه أكثر من 170 باحثاً في 62 دولة بقيادة العالم روبرت هاوس قد نجح في معرفة كيف تؤثر القيم والعادات الثقافية في نظرة الشعوب للقيادة المثالية في تصوُّرهم.
فالقائد الناجح في الصين، قد يضعف تأثيره في أميركا، وما يُعتبر فضيلة في السويد قد يعتبر ضعفاً في الشرق الأوسط؛ فالقائد الناجح في أميركا وكندا وإنجلترا هو من يشجع على «المشاركة»، ويؤمن بالشفافية، ويقيس النجاح بالأداء والكاريزما. أما في الصين وكوريا وسنغافورة، فالقائد يُحترم حين يكون صارماً ومنضبطاً وملتزماً بالمصلحة الجماعية أكثر من الفردية. الهنود والفلبينيون والإندونيسيون مثلاً، يميلون نحو «القيادة الرحيمة» ذات الطابع العائلي، حيث الحزم لا ينفصل عن روح الرعاية. الإسكندنافيون ينظرون إلى التواضع والمساواة على أنهما جوهر القيادة، وليست أموراً كمالية.
أما في مجتمعات الشرق الأوسط (العرب وتركيا)، فيُتوقَّع من القائد أن يكون قوياً، ويحمي مجموعته، ويوازن بين الحزم والرعاية الأبوية. هناك تقاطع بيننا وبين جنوب آسيا، وآسيا الكونفوشية من ناحية تطلعنا للقائد «الذي يحمينا» ويرعانا.
اللافت أن الألمان وجيرانهم النمساويين والهولنديين تعلو فيهم الاستقلالية والكفاءة الفردية على كل الاعتبارات الأخرى. الأفارقة يفضلون القائد المتعاطف معهم.
معظم الأمم تقريباً تمجد القائد الكاريزماتي، لكن هذه الخصلة لا تأتي في المقام الأول إلا في الأمم الأنغلو-ساكسونية والإسكندنافية واللاتينية. كنت أظن أن الكاريزما أكثر ما يؤثر في العربي، لكنها جاءت بعد أمور عديدة منها أن من يقودهم حريص على حمايتهم، ويتعاطف معهم، ويعد مستقلاً، بعدها تأتي الكاريزما في التأثير.
خلصت الدراسة إلى أن الثقافة لا تحدد السلوك القيادي بشكل مباشر، لكنها تشكل توقعات الناس لما يجب أن يكون عليه قائدهم المثالي.
اللافت أن هناك صفات عالمية مرغوبة في من يتولى زمام القيادة بشتى درجاتها تكاد تكون مشتركة بيننا كشعوب، مثل الصدق، والعدالة، والأمانة، والكاريزما القائمة على القيم. أما الصفات المرفوضة عالمياً فهي الخبث، والأنانية، والقسوة.
ندرك من نتائج مشروع غلوب البحثي الكبير أن القيادة ليست سلعة قابلة للتصدير، فنظرتنا لها تتشكل في «الوجدان الجمعي» للأمم، ربما كان لأسباب تاريخية وثقافية واقتصادية واجتماعية؛ ولذلك كان القائد الحقيقي من يفهم جيداً مجتمعه، ليس ليرضيهم، ولكن ليقودهم بالطريقة التي تناسب ما يمليه عليه ضميره وقيمه ثم ما يحترم ثقافتهم وتوقعاتهم. الانسجام مع ذلك كله يسهل مهمة استجابة الناس للتغيير وهي أكبر تحدٍ يواجه كل قيادي في العالم.
