استأثر فوز منتخب المغرب بكأس العالم للشباب باهتمام غير مسبوق، بعدما نجح في إزاحة إسبانيا والبرازيل وفرنسا والأرجنتين عن طريقه محققاً إنجازاً تاريخياً من شأنه تغيير خريطة كرة القدم العالمية في السنوات المقبلة، ورافعاً سقف طموح جماهيره التي باتت تأمل في حصول الفريق الوطني على اللقب في 2030 حين تشارك البلاد في استضافة مباريات المونديال.
وبرغم الفرحة التي امتدت من البحرين إلى طنجة بالإنجاز المغربي وطريقة تحقيقه، فإن هذا التتويج وجَّه الأنظار نحو بقية الاتحادات العربية ومدى قدرتها على صناعة منتخب ضمن الفئات السنية يستطيع الوصول إلى مستوى «ليوث الأطلس» في المنافسات العالمية، خاصة أن أغلب هؤلاء الشبان خضعوا للتدريب في أكاديمية محلية تحت رعاية مدربين مغاربة وإشراف اتحاد وطني لا يوجد فيه خبراء أجانب، مما يجعل بعض الدول مطالبة بمضاعفة جهودها لتحقيق ما يوازي حجم الإنفاق وكثرة المواهب لديها.
لم يكن المغرب أول منتخب عربي يصل إلى الأدوار المتقدمة أو حتى المباراة النهائية في مونديال الشباب، بعدما بلغت مصر والعراق نصف النهائي، وقبلهما قطر إلى نهائي كأس العالم 1981، فضلاً عن فوز السعودية بمونديال الناشئين 1989، ولكن يحسب للإنجاز المغربي أنه جاء بعيداً عن الاجتهادات التي تصيب مرة وتخيب مرات، حين أتى ضمن سلسلة إنجازات لافتة خلال السنوات الأخيرة، ووفق رؤية واضحة، ساهمت بنجاح الاتحاد المحلي في تنفيذ استراتيجيته نحو الدفع بالأندية والمنتخبات المغربية إلى واجهة كرة القدم العالمية.
ولا يمكن أن تذكر إنجازات المغرب في المونديال دون الإشارة إلى رئيس اتحاد اللعبة فوزي لقجع، الذي بدأ مشروع التغيير من نادي نهضة بركان المغمور، حين تولى رئاسته في 2009 وبدأ في تأهيله إدارياً وفنياً، قبل أن يصبح هذا الفريق لاحقاً من أهم الأندية الأفريقية، ومنذ وصوله إلى رئاسة الاتحاد الوطني في 2013 دشَّن لقجع مشروعه الرامي إلى إعادة تأهيل اللعبة في المغرب من خلال استراتيجية تطوير تستهدف الأكاديميات والملاعب والأندية والمنتخبات، ومع وصول لقجع استطاع أن ينتزع مكانة لبلاده في الاتحادات الدولية والقارية والإقليمية، وبات صوت المغرب مسموعاً بفضل نيله عضوية اللجنة التنفيذية في «فيفا» ومنصب نائب رئيس «كاف»، مما أثمر عن استضافة مونديال 2030 مشاركة مع إسبانيا والبرتغال، وإسناد تنظيم أكثر من بطولة عالمية للبلاد.
ومن المؤكد أن فوزي لقجع لم يأتِ بعوامل النجاح من العدم، إذ يملك المغرب من المواهب والأكاديميات والملاعب والأندية ما يمنحه فرصة التفوق في لعبة كرة القدم، لكن هذه العوامل كانت تدار بفكر لا يمكنه استثمارها وتحويلها إلى منجز حقيقي كما يحدث في دول مثل إسبانيا والبرتغال وفرنسا، ويمكن القول إن لقجع نجح في إدارة الإمكانات المتاحة بفريق عمل يحمل فكراً جديداً يستطيع التعامل مع الحاضر والمستقبل، بعيداً عن التقليدية في العمل الإداري والاجتهادات الفردية في استثمار الإمكانات المتاحة.
