عبد العزيز الغيامة
صحافي سعودي منذ 1998 وحاصل على وسام الإعلام الرياضي العربي من الاتحاد العربي للصحافة الرياضية عام 2022 ورئيس لقسم الرياضة في صحيفة «الشرق الأوسط»
TT

توزيع البطولات!

استمع إلى المقالة

لا تُمنح البطولات في كرة القدم إلا لمن يجتهد من أجلها، ويعرف كيف يصنع تفاصيلها داخل الملعب.

ليست هناك وصفة سحرية للفوز، ولا يوجد فريق يملك صكّاً دائماً بالبطولات، فالتاريخ يحفظ أن الألقاب تُحسم في لحظات صغيرة، وربما في خطأ عابر أو كرة ثابتة أو لمسة لم يتوقعها أحد.

هذه هي طبيعة كرة القدم التي «تتغذّى» على المفاجآت، وتستمد سحرها من عدم خضوعها للمنطق وحده.

لكن المؤسف حقّاً أن نسمع بين حين وآخر من بعض الصحافيين والمذيعين مَن يُردد فكرة أن البطولات محسومة مسبقاً لهذا الفريق أو ذاك، كما رُوّج عن النصر هذا الأسبوع بأنه سيفوز بكل الألقاب هذا الموسم.

مثل هذه التصريحات غير المسؤولة لا تُسيء فقط للفرق المتنافسة، بل تُعزز أيضاً من «نظريات المؤامرة» التي ابتُلي بها المجتمع الرياضي السعودي لسنوات طويلة، حتى بات بعض المشجعين يظنونها حقيقة مُطلقة، في ظل «سلبية المسؤول» و«صمته».

بطولة كأس السوبر الأخيرة مثالٌ حيّ على ذلك. النصر خسر أمام الأهلي في النهائي رغم أنه كان الأفضل في الملعب، وهذه نتيجة طبيعية جداً. كرة القدم ليست لعبة منطقية دائماً؛ أن تكون الأفضل لا يعني بالضرورة أن تفوز، وأن تكون الأسوأ لا يفرض عليك الخسارة.

أحياناً ينتصر الأفضل، وأحياناً يخسر، هذه هي متعة اللعبة التي لا يُمكن حصرها في معادلات كرة القدم.

كرة القدم «تموت» حين توصم بعدم النزاهة... حينها تفقد معناها، وتصبح مجرد «مسرحية عبثية» بلا روح؛ لأن العاقل لن يُهدر وقته في متابعة بطولة وهو مقتنع تماماً بأن اللقب سيذهب لهذا النادي أو ذاك بفعل فكرة «توزيع البطولات».

المؤسف أن الجهات المعنية بمراقبة كرة القدم السعودية تقف غالباً موقف المتفرج، في حين تنهال الاتهامات على البطولات المحلية بأنها «موزعة» مسبقاً.

موسم لهذا الفريق، والآخر لذاك، والثالث لذلك؛ هذه «النظرة» لا تهدم فقط صورة الدوري السعودي في الخارج، بل تضرب «ثقة الجماهير» في الداخل، وتفرّغ المنافسة من قيمتها.

الذين يصرون على غرس هذه الأفكار، من متعصبين وغارقين في «أوحال المؤامرات»، يفتقدون المنطق والعقل، ويشبعون غرائزهم بأفكار سطحية لا تمت للرياضة الحقيقية بصلة. ولو كان في بطولاتنا أي مجاملة لفريق معين لظهرت ملامحها واضحة. لو كان هناك حرص على إرضاء النصر وقائده كريستيانو رونالدو مثلاً، لأصبح ذلك شاهداً على أرض الملعب، ولملأ النصر خزائنه، لكنه لا يُحقق شيئاً منذ سنوات. ولو كان الهلال يحظى بامتيازات خاصة، لما غاب خمسة مواسم متتالية عن صدارة الدوري بين 2012 و2016، ولما خرج الموسم الماضي خالي الوفاض من لقب الدوري وكأس الملك.

قالوا إن النصر سيفوز بالسوبر، لكنه خسر الكأس، فيما اختارت كرة القدم الأهلي عريساً للبطولة وهو يستحق لأنه قاتل حتى آخر لحظة.

أتصوّر أنه حان الوقت لأن يتوقف البعض عن «لمز» البطولات السعودية بتهم لا تليق بها. البطولات السعودية تمضي إلى الأمام بفضل عمل كبير، واستثمارات ضخمة، والحديث عن «توزيع البطولات» ليس سوى إهانة لعمل الأندية، وظلم لمجهود اللاعبين، وتشويه لصورة المنافسة، وتجهيل لحقيقة كرة القدم.

نعم، النقدُ مطلوب، والجدلُ مشروع، لكن «وصمَ البطولات» واتهامَها بالعبثية «خيانة» للرياضة قبل أن يكون «اتهاماً صريحاً» للمسؤولين عنها.

إن احترام البطولات يبدأ من احترام عقول الجماهير، والبطولات لا تحتاج لمن يُشكك فيها، وإنما لمن يعمل لأجلها في الميدان، ويجتهد حتى يحسمها. وكرة القدم ستظل هكذا، لعبة غير متوقعة، تمنح لحظات الفرح لمن يؤمن بها، وتمنح دروس الهزيمة لمن يظن أن الطريق إليها مفروش بالضمانات.

كل شيء يمكن قبوله في عالم الرياضة من نقاشات وحوارات وجدليات، لكن الترويج لهذه «الأفكار المريضة» في برامج تلفزيونية وإذاعية رسمية يُثير علامات الاستغراب والاستفهام والتعجب.



المزيد من مقالات الرأي