مارك لاندلر وستيفين كاسل
خدمة «نيويورك تايمز»
TT
20

بريطانيا وسد الفجوة المتزايدة عبر الأطلسي

استمع إلى المقالة

بعد خمس سنوات من انسحابها من الاتحاد الأوروبي، ربما وقعت بريطانيا أخيراً على دور جديد على الساحة العالمية، يُشبه إلى حدٍّ كبير دورها القديم.

عبر الأسابيع القليلة المحمومة التي تلت قلب الرئيس دونالد ترمب التحالف عبر الأطلسي رأساً على عقب بتقربه من روسيا وخلافه مع أوكرانيا، حاول رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، أن يعمل على تقريب المسافات بين أوروبا وواشنطن.

وفي هذا الإطار، قدّم ستارمر وكبار مساعديه المشورة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عبر مكالمات هاتفية واجتماعات عقدت وجهاً لوجه، حول كيفية رأب الصدع مع ترمب، في أعقاب اللقاء المرير الذي جمع الرئيس الأوكراني بالأخير في البيت الأبيض. كما ضغط رئيس الوزراء بقوة على الرئيس الأميركي للحصول على ضمانات أمنية لردع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن أي عدوان مستقبلاً.

وعبر هذه الجهود الدبلوماسية المحمومة، يحيي ستارمر دوراً لطالما اضطلعت به بريطانيا قبل خروجها من الاتحاد الأوروبي. ويُقارن البعض بينه وبين توني بلير، رئيس الوزراء العمالي الأسبق، الذي حاول التوسط بين الرئيس جورج دبليو. بوش والقادة الأوروبيين سابقاً خلال الفترة العصيبة التي سبقت حرب العراق عام 2003. وكما هو معروف، لم تحظ جهود بلير لرأب الصدع عبر الأطلسي، بنهاية سعيدة، مع رفض فرنسا وألمانيا الانضمام إلى التحالف الذي بناه بوش ضد العراق. وكان من شأن التحالف الوثيق بين بريطانيا والولايات المتحدة، أن توترت العلاقات بين لندن وجيرانها الأوروبيين.

اليوم، وفي الوقت الذي يعكف ستارمر على بناء تحالف جديد لحماية أوكرانيا، يواجه مهمة صعبة مماثلة، تتركز حول تمسكه بواشنطن، بينما يحاول حشد رادع عسكري أوروبي قوي بما يكفي لإقناع ترمب بتوفير غطاء جوي أميركي ودعم استخباراتي لقوات حفظ السلام.

من جهته، عقد ستارمر، مؤتمراً عبر الفيديو مع 30 قائداً من أوروبا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) وكندا وأوكرانيا وأستراليا ونيوزيلندا، لحشد الدعم لتحالفه، الذي تقوده بريطانيا وفرنسا. وقال إن المسؤولين العسكريين سيجتمعون مجدداً، الخميس، لبدء «مرحلة عملياتية»، إلا أنه لم يكشف تفاصيل عن المهمة الموكلة لهذه القوة العسكرية الجديدة، ولم يُعلن عن التزام أي دول أخرى بالمشاركة فيها. وقال ستارمر في أثناء مؤتمر صحافي عقب الاجتماع: «أبديتُ استعداد المملكة المتحدة للاضطلاع بدور قيادي في هذا. وإذا لزم الأمر، فسيكون ذلك من خلال قوات برية وطائرات».

وتعهد رئيس الوزراء بأنه سيواصل الضغط على ترمب للحصول على ضمانات أمنية أميركية، وجهود ضغط يضطلع بها بالتعاون مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وأضاف: «لقد أوضحتُ ضرورة إنجاز ذلك بالتعاون مع الولايات المتحدة. ونحن نتحدث إلى الولايات المتحدة يومياً».

لا أحد يعلم ما إذا كان ستارمر سينجح في تغيير موقف ترمب، خاصة مع تذبذب موقف الرئيس بين التنديدات اللاذعة بأوكرانيا والتهديدات بفرض عقوبات على روسيا المتمردة.

الدبلوماسي البريطاني بيتر ريكيتس الذي شغل منصب مستشار الأمن الوطني لرئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون قال: «بالطبع هناك خطر، لكنني أعتقد أن ستارمر يرى أن هناك خطر وقوع كارثة يمكن تجنبها».

وعبّر عن اعتقاده بأن بلير فشل بصفته جسراً للتواصل بين جانبي الأطلسي؛ لأن الانقسامات بين الدول الأوروبية بشأن العراق كانت مستعصية على الحل. أما التحدي القائم أمام ستارمر الآن، فيكمن في رئيس أميركي متقلب المزاج، يبدو عازماً على إعادة ضبط العلاقات مع روسيا، بينما يبدي العداء العلني تجاه الاتحاد الأوروبي.

شغل جوناثان باول، الذي كان رئيساً لهيئة موظفي بلير سابقاً، منصب كبير المفاوضين البريطانيين فيما يخص «اتفاق الجمعة العظيمة»، الذي أنهى عقوداً من العنف الطائفي في آيرلندا الشمالية. كما شارك في جهود بلير غير المثمرة لإشراك فرنسا وألمانيا في الحملة العسكرية ضد العراق.

وحتى قبل إشعال الأزمة بشأن أوكرانيا، سعت حكومة ستارمر إلى توثيق العلاقات مع القارة الأوروبية، ليس فقط بمجالي الدفاع والأمن، بل وكذلك في التجارة والسياسة الاقتصادية.

إلا أنه بفضل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يبدو أن ترمب يضع لندن في فئة مختلفة عن الاتحاد الأوروبي، ما قد يساعد في جعل ستارمر وسيطاً أكثر فاعلية.

من ناحيته، قال مجتبى رحمن، المحلل لدى مجموعة أوراسيا للاستشارات السياسية: «إن وضع قدم في الداخل وقدم في الخارج أمر جيد للمملكة المتحدة في السياق الحالي، لكن فقط إذا بقينا في حالة الحرب الزائفة الراهنة».

في البداية، كانت عودة ستارمر إلى التعاون مع الاتحاد الأوروبي بوضوح نصف خطوة. وبعد توليه السلطة في يوليو (تموز) الماضي، شرع في إصلاح العلاقات في فترة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عبر مختلف العواصم الأوروبية. ومع ذلك، فإنه استبعد إجراءين بارزين من شأنهما تعزيز التجارة بشكل كبير: العودة إلى السوق الموحدة العملاقة للاتحاد الأوروبي واتحاده الجمركي.

ويرى محللون أن نهجه الحذر نابع من خوفه من إثارة غضب الناخبين المؤيدين للخروج من الاتحاد الأوروبي، ومن إعطاء ذخيرة لنايجل فاراج، بطل «بريكست» وزعيم حزب «إصلاح المملكة المتحدة» المناهض للهجرة، الذي كشفت استطلاعات الرأي ارتفاع شعبيته.

إلا أن موجات الصدمة التي أحدثتها تصريحات ترمب الأخيرة بشأن أوكرانيا وروسيا نسفت بعض العوائق أمام إعادة ضبط أوسع نطاقاً للعلاقات بين الجانبين، فقد منحت ستارمر غطاءً سياسياً.

* خدمة «نيويورك تايمز»