سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT
20

الحمد لله على سلامتك من الإكوادور

استمع إلى المقالة

لا أعتقد أن في العالم المسكون، أو شبه المسكون، مكاناً لم أفكر في الهجرة إليه في وقت من الأوقات. وقد رويت لجنابكم أنني فكرت مرة في السفر إلى غرينلاند قبل أن يكتشفها دونالد ترمب بزمن. وليس لكم سوى مراجعة تاريخ النشر!

هل تعرفون الإكوادور؟ أنا أيضاً لا أعرفها. لكن قبل نحو أربعين عاماً «درست» بكل جديّة مشروع السفر إلى كيتو، العاصمة. أين كنت آنذاك؟ كنا نعيش في لندن، عاصمة العالم، ما بين هايد بارك و«ألبرت هول». إكوادور؟

إليك القصة. تصفحت «الغارديان» ذات صباح فطالعني إعلان من صفحة كاملة عن حسنات الهجرة إلى جمهورية الإكوادور. المحفزات: رخص الإقامة، الطبابة المجانية، الأمن، لطافة المعشر. ماذا تريد أكثر من ذلك؟ لا شيء. قم بنا إلى الإكوادور.

من رحماته تعالى أن «الغارديان» قامت بما عليها بعد قليل، فتوقفت عن نشر الإعلان، وأنا قمت بما علي، نسيت أمر الإكوادور. لكن من حين إلى آخر تخطر في بالي عندما أواجه فاتورة علاج طبي في نيويورك أو دبي. يقول أهل القرى: «إنه لا شيء أغلى من الصحة». عفواً. وعذراً. أغلى منها، إلقاء التحية على الأطباء.

لا إعلانات تروّج للهجرة إلى الإكوادور في الصحافة، لكن هناك تحقيق «في الإيكونومست» يقول إنها أصبحت في السنوات الخمس الأخيرة أعنف مركز للمخدرات في أميركا الجنوبية، التي هي بدورها أكبر سوق للمخدرات في العالم: «لم تعد تلك الواحة التي يحلم بها الغرباء بل صارت مرتعاً لعصابات التهريب».

ماذا عن العقاب؟ غالباً ما يدخل كبار المجرمين إلى السجن؟ لكنهم يديرون أعمالهم من هناك. أحد الزعماء أرسل من السجن حوالة رسمية للإفراج عن أحد أعوانه قيمتها ربع مليون دولار. في 13 أبريل (نيسان) المقبل تذهب الجمهورية لانتخاب رئيس جديد. نائب الرئيس الحالي خرج للتو من السجن! وتضم لوائح المتهمين الكبار 77 شخصاً من القضاة والنواب ورجال الشرطة، الذين تجري محاكمتهم حالياً.

الأرجح أن المخدرات تهدد العالم أكثر من السلاح النووي. الفلبين اعتقلت أخيراً رئيسها السابق رودريغو دوتيرتي لأنه متهم بقتل ما يزيد على 6 آلاف مهرب دون محاكمة في حملته الكبرى على المخدرات. فاتنا أن نذكر أن الإكوادور محاطة بدول تعاني من هذه الآفة، وخصوصاً كولومبيا، التي جاء منها أشهر كاتب لاتيني، غابرييل غارسيا ماركيز، وبابلو أسكوبار أشهر المهربين.