د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

«مُعضِلة العَرَبة» الأخلاقية

استمع إلى المقالة

‫يُدرك المرء حقيقة قِيَمِه في المواقف الحرجة. كما تظهر قدراتنا في اتخاذ القرارات والتردد في تلك اللحظات الحاسمة. هناك معضلة مهمة تفترض أن عربة قطار (الترام) تسير على سكة حديدية، سرعان ما خرجت عن نطاق السيطرة، وتكاد تصطدم بخمسة أشخاص مقيدين لتقتلهم لا محالة. أما إذا ما تمكن أحدنا من سحب المقبض لتحويل العربة إلى مسار آخر يقتل شخصاً واحداً فقط، فإن نطاق الضرر يقل!

ورغم بديهية الضرر الأقل (مقتل واحد)، فإنه قد تبين في تجارب عديدة أن البعض يعانون من الشعور بالذنب عند الإقدام على إيذاء أي إنسان، فيترددون أصلاً في سحب المقبض. وقد نلاحظ مثلاً من لا يبدي استعداداً للتوقف لمساعدة «وافد أو أجنبي» تعطلت سيارته، في حين قد يجد نفسه يهرع لمساعدة امرأة حسناء أو مواطنه الأنيق في سيارته الفاخرة. هناك من يتردد في الدفاع عن شخص غريب يتعرض لظلم بيّن لكنه يتدخل ببسالة حينما يكون المظلوم قريباً أو صديقاً. هناك من لا يتحمس لإعطاء زميل نصيحة مجانية، لكنه لا يتردد في تقديم المشورة لمديره أو لمن يُرجى منه منفعة. هي مواقف تشير إلى أن معادن الناس تظهر عند المحك.

باحث آخر، حاول اختبار هذه المعضلة في أذهان الناس، فقال للمشاركين في بحثه، إن صدمة كهربائية مؤلمة (لكنها غير قاتلة) ستصعق قفصاً يحتوي على خمسة فئران. ومع ذلك، إذا ضغط الشخص على زر، فستتحول الصدمة إلى قفص آخر يحتوي على فأر واحد فقط. أعطي المشاركون 20 ثانية لاتخاذ القرار قبل أن تنفذ الصدمة، النتيجة أنه لم تُصب أي فئران بأذى، إذ كانت الصدمة وهمية.

في التجربة الحقيقية، اتضح قيام 84 في المائة من المشاركين بالضغط على الزر. في حين تبين أنه في التجربة الافتراضية (السيناريو التخيلي)، لم يضغط على الزر سوى 66 في المائة. وهو ما كشف عن وجود فجوة واضحة بين ما يقوله الناس وما يفعلونه على أرض الواقع، بحسب تلك الدراسة المنشورة في مجلة «علم النفس» عام 2018.

تكشف «مُعضِلة العربة» أن القرارات الأخلاقية ليست دائماً سهلة أو مباشرة، بل تتأثر بالعوامل الاجتماعية والنفسية التي تحيط بنا. هي دعوة للتأمل في مدى وعي كل منا بقيمه، ومدى قدرته على ترجمتها إلى أفعال حقيقية في المواقف الحرجة.