هذا القول المأثور في العنوان يذكرنا بأن القوة الحقيقية والتغيير ينبعان من الأمور الصغيرة التي قد يتم تجاهلها أحياناً.
في سوريا، شعب تعرض للقمع من قبل ديكتاتورية وحشية لعقود أثبت أن كرامته لم تنكسر، من خلال الإطاحة بديكتاتوره والمطالبة بنظام جديد قائم على الاحترام والشمول. وصف مارتن لوثر كينغ هذه العملية بشكل مثالي عندما قال إن «قوس الكون الأخلاقي طويل، لكنه ينحني نحو العدالة». القوة الحقيقية على هذا الكوكب لا تكمن في السيطرة أو الأسلحة أو استنزاف موارد كوكبنا. القوة الحقيقية تكمن في كرامة الناس العاديين وفي كل الأمور الصغيرة التي تدعم الحياة نفسها.
هناك شعور بالتغيير الهادئ والواثق يسري عبر العالم العربي في هذه الأيام. بعد أكثر من 50 عاماً من المعاناة تحت حكم عائلة الأسد، استعاد السوريون أخيراً زمام مستقبلهم بأيديهم.
في دول عربية أخرى، اختار القادة الثقة بشعوبهم وتزويدهم بالأدوات والفرص لبناء مستقبل مشرق ومملوء بالوعود لأنفسهم ولبلدانهم. على سبيل المثال، سلكت السعودية مساراً ملهماً خلال السنوات السبع الماضية، ففتحت مجتمعها، وحدثت نظام التعليم، وقدمت لشعبها فرصاً جديدة هائلة وأثارت حماستهم للمضي قدماً. واليوم، تحمل السعودية شعلة الأمل، وتُظهر للمنطقة كيف يمكننا بناء مستقبل أكثر إشراقاً معاً.
العديد من الدول العربية الأخرى تستثمر بهدوء في مجالات التنمية الحضرية المستدامة، والطاقة المتجددة، وتقنيات المستقبل مثل الذكاء الاصطناعي. ببساطة، يضع قادتها ثقتهم في المستقبل وفي شعوبهم.
لقد تحمل العالم العربي فترات طويلة من الاضطراب والمعاناة، وارتكب بعض قادته نصيبهم من الأخطاء. لكن اليوم، هناك ثقة وحماسة تدفعان العالم العربي وشعوبه إلى الأمام. في سوريا، هناك تطهير كبير للجرح المفتوح، وفي فلسطين ما زال قرن تقريباً من الألم والمعاناة ينتظر الحل. ولا شك أن الشعب الفلسطيني الذي عانى طويلاً سيتغلب على القبضة الحديدية للاحتلال الإسرائيلي.
إسرائيل تسير في طريق محفوف بالمخاطر. تعتمد فقط على جيشها وأسلحتها والخوف لقمع ليس فقط الفلسطينيين، بل أيضاً جيرانها مثل لبنان وسوريا. لكن لا يمكن لأي جبل من القسوة واليأس أن يقف في طريق التغيير التاريخي العميق الذي يوجه قوس الكون الأخلاقي نحو العدالة.
وأولئك الذين يعتقدون أن لديهم القوة ويحاولون فرضها عبر الخوف، سيكتشفون قريباً أنها لا يمكن أن تدوم. مستقبلهم يكمن في مد اليد للسلام وبناء الاحترام والثقة مع الآخرين. من يعتقدون أن الجميع أعداؤهم سيجدون أن أكبر عدو لهم هو أنفسهم.
في الغرب، خصوصاً في الولايات المتحدة، تحول الرأي العام بعيداً عن الاحتلال الإسرائيلي العنيف وحروبه التي لا تنتهي. ومع تحولات العالم العربي والشرق الأوسط، لا يمكن لإسرائيل أن تفوت هذه الفرصة لتحقيق السلام مع جيرانها واحتضان الديناميكية الإيجابية التي تحرك منطقتنا وشعوبها اليوم.
ليست بالقوة العمياء تُبنى الأمم القوية، بل بالثقة والاحترام. لقد سعى العالم العربي إلى مد يد السلام لإسرائيل، من مبادرة السلام العربية بقيادة السعودية عام 2002 إلى إقامة العلاقات الدبلوماسية أخيراً مع أربع دول عربية إضافية. وحان الوقت لرعاية شعوبنا جميعاً والعيش معاً بسلام. هناك العديد من المجالات الأخرى التي يمكننا أن نتعلم منها دروساً في التواضع والكرامة، وعلى رأسها البيئة. الطبيعة تُظهر لنا أمثلة واضحة على كيف أن الأمور الصغيرة هي الأكثر أهمية. العوالق النباتية في المحيطات لا تدعم فقط الحياة البحرية بأكملها، لكنها أيضاً توفر لنا 50 في المائة من الأكسجين الذي نتنفسه. ومن دون العوالق النباتية في محيطات عفية، لا يمكننا البقاء. ومن دون النحل الذي يُلقح الزهور والمحاصيل، نصبح بلا شيء. ومن دون البكتيريا التي تنظم جهاز المناعة لدينا، لا يمكننا العيش.
ومع ذلك، نعتقد أننا سادة الحياة على الأرض، مما يؤدي إلى انقراض الأنواع بمعدل غير مسبوق، واستنزاف موارد كوكبنا، ومواصلة السير في طريق يؤدي إلى كوارث طبيعية متزايدة.
لنتعلم هذا الدرس البسيط ولكن العميق عن القوة، والتواضع، والكرامة. هناك تيار واثق ومتفائل يجتاح العالم العربي اليوم، يفتح باب الأمل والفرص لمستقبل أكثر إشراقاً. حان الوقت لكي تعترف إسرائيل بهذه الديناميكية وتصبح شريكاً في السلام والازدهار والاستقرار من أجل مستقبل منطقتنا المشتركة، وإدراك أن القوي الذي يعتمد على العنف والسيطرة، ينتهي به الأمر معزولاً عن الواقع وعرضة للاضطرابات.
دعونا نتحرك مع المحيط ونتجاوز جبل اليأس.