في قمة هي الثانية من نوعها، تستضيف العاصمة السعودية الرياض، تجمّعاً عالمياً من عرب ومسلمي العالم، ناهيك عن الأصدقاء من أنحاء المسكونة كافةً، وجميعهم يَحْدُوهم أمل واحد؛ أن تكونَ هذه الجهود بدايةً حقيقية لانطلاق الدولة الفلسطينية المستقلة، وقد قال أحدهم سابقاً: «إنه ما من أمر يقف حائلاً دون تحقيق فكرة حان أوانُها».
القمة العربية الإسلامية في الرياض تأتي بعد جهود دبلوماسية غير اعتيادية قامت بها الدبلوماسية السعودية في الشهرين الماضيين، لا سيما إعلان وزير الخارجية، الأمير فيصل بن فرحان، عن مولد تحالف عالمي لتنفيذ حل الدولتين، ووضع خطة عملية لتحقيق الأهداف المشتركة لتحقيق السلام المنشود.
هل تأتي قمة الرياض في وقت مفصلي على الصعيدين العربي والدولي؟
إنَّ ذلك كذلك، قولاً وفعلاً، فعربياً بلغَ السيل الزبى كما يقال، لا سيما بعد أكثر من عام من الحرب الطاحنة التي قضت على الأخضر واليابس في غزة، وامتدت إلى جنوب لبنان وما حولها، وتبقى اليوم مهدداً بحرب إقليمية ضروس في منطقة تحتاج للأمن والأمان، للهدوء والاستقرار، للسلام والتعاون الخلّاق.
وعلى الصعيد العالمي، تأتي القمة بعد انتخابات أميركية مثيرة للغاية، أفرزت رئيساً قادراً على تحريك ملف السلام في الشرق الأوسط، وله خبرة سابقة في شؤون وشجون المنطقة.
عدة نقاط ينبغي الإشارة إليها في طريق فهمنا لهذه القمة، في مُقدَّمها القَطع بأن تلبيتها تعكس ثقل المملكة السياسي والدبلوماسي إقليمياً وعالمياً، وتدعم المواقف التاريخية للمملكة التي لا تتزحزح، وفي مُقَدَّمها حق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، قبل أي أحاديث ولو كانت محبوبة أو مرغوبة عن سلام شرق أوسطي شامل وكامل، فلا سلام من غير عدالة، ولا عدالة بدون إحقاق الحقوق.
الأمر الثاني هو أن هذا التحالف العالمي الذي دعت إليه السعودية، يجد آذاناً مصغية خارج الدائرتين العربية والإسلامية، فهناك دول أوروبية وآسيوية تضم صوتَها إلى صوت الشعب الفلسطيني المطالِب بحقه التاريخي المُهدَر عبر ثمانية عقود تقريباً، ومنها دول تمتلك مقعداً دائماً في مجلس الأمن، مثل روسيا والصين على سبيل المثال.
يمكن القطع بأنَّها واحدة من المبادرات القليلة التي تُطرح من الذات العربية والإسلامية، أي أنَّها مبادرة القلب والعقل العربي والإسلامي، ومن غير تعويل على أطراف خارجية، حتى وإن قبلت الشراكة فيها ومعها، في درب السعي لمناقشة خطة عمليات تواجه وتجابه التصرفات الإسرائيلية الهوجاء في شمال غزة؛ من حصار وإبادة جماعية بهدف إخلاء وإجلاء الفلسطينيين من أراضيهم التاريخية، وتالياً وضع خطوات عملية على الطريق لتنفيذ طرح الدولة الفلسطينية المستقلة موضع التنفيذ.
ولعلَّه من المؤكد أن قمة الرياض العام الماضي، ثم الدعوة الأممية لتحالف حل الدولتين، وصولاً إلى قمة الرياض، تمثل نهجاً فاعلاً وناجزاً في مسيرة تحديد جدول زمني محدَّد لإقامة دولة فلسطينية، وليس مجرد إطلاق مفاوضات من أجل المفاوضات.
هنا ليس سراً القول إن العالَمَين العربي والإسلامي قد وعيا جيداً درس اتفاقية أوسلو، التي كانت تتضمن محطات كان من المفترض أن تُفضي إلى إقامة هذه الدولة، إلا أنَّ إسرائيلَ تحايلت على هذا المسار، ونسفت عملية السلام عبر حروب متتالية، ما يعني أن هناك رغبة عميقة للاستفادة من تجارب الماضي، وعدم تكرار أخطائه التي أدَّت إلى تعثر اتفاق أوسلو.
تنبع القيمة الحقيقية لقمة الرياض من منطلق كونها تجمّعاً ما بعد عربي أو إسلامي، أي أنَّها تفتح الأبواب واسعةً لمناصري الحريات والأخلاقيات كافةً، ولأصحاب الضمائر الصالحة، من كل جنس ولون، مِلّة ونِحْلة، سيما أن المبادئ لا تتجزّأ، ولا مُحاصَصة عِرقية أو مذهبية فيها.
يمكن دون أدنى تهوين أو تهويل النظر إلى قمة الرياض على أنَّها حجر زاوية جديد في إرجاع حق أصيل لأصحابه، ودعوة للدول القابضة على جمر الحقيقة للتحلّي بالشجاعة، واتخاذ قرار الاعتراف بفلسطين دولةً مستقلة، والانضمام إلى الإجماع الدولي المتمثّل بـ149 دولة معترِفة بفلسطين المستقلة.
لم يَعُد الشرقُ الأوسطُ في حاجة إلى المزيد من المعاناة، بل إلى وضع حدّ للصراع، وفتح مساقات للسلام ومسارات ليعيش الأنام في ظل عدالة وسلام.
هل يدرك العالم صوتَ المجتمِعين في الرياض سعياً وبطريق سلمي لإنهاء عصور القلق والأرق عربياً وشرق أوسطياً؟