لم تكن تجربة احتراف اللاعبين السعوديين «المتقطعة في الخارج» لافتة على مدى الـ25 عاماً الماضية، ولا يمكن البناء على تلك «التجارب القديمة»، وكذلك التي تمت قبل سنوات، لاعتبارات عديدة، أهمها أن الفائدة المرجوة منها كانت منقطعة ومخجلة، وبلا تأثير على صورة اللاعب السعودي في كل مكان.
منذ عقود طويلة والمشجع العربي يرى نماذج عظيمة للاعبين عرب وأفارقة وآسيويين في الملاعب الأوروبية، وكان حضورهم رائعاً ومثرياً، وانعكس بشكل صريح على مستويات منتخباتهم الأفريقية والآسيوية.
عشرات اللاعبين العرب كانت لهم صولات وجولات في الميادين الأوروبية، بدءاً من المصري محمد صلاح، والجزائريين رابح ماجر ورياض محرز، والمغاربة الثلاثة العربي بن مبارك وأشرف حكيمي وحكيم زياش، والعماني علي الحبسي، وآخرين.
البدايات لهؤلاء النجوم لم تكن مع أندية النخبة في أوروبا، كما يظن الكثيرون، بل مع أندية مغمورة وفي دوريات وطنية متواضعة، حيث فعل محمد صلاح ورابح ماجر ورياض وحكيمي وزياش ونور الدين النيبت والقائمة تطول وتطول.
حينما نرى «البدايات السعودية الحالية» في أوروبا مثل المتألق مروان الصحفي وفيصل الغامدي مع فريقهما بيرشكوت في الدوري البلجيكي، وسعود عبد الحميد مع فريقه روما في الدوري الإيطالي، نتساءل هل بدأت تجربة الاحتراف الحقيقية للاعب السعودي.
بلا شك أن انتقال 3 لاعبين سعوديين ناشطين في دوريهم المحلي إلى أوروبا هذا الموسم يعطي مؤشراً على أن المرحلة المقبلة ستكون مختلفة.
نعرف أن هناك مشروعاً سعودياً لابتعاث اللاعبين المحليين، حيث ينشطون في إسبانيا منذ 3 أعوام على الأقل، لكنهم في رأيي بحاجة للمزيد من الوقت والجهد لنرى هذه البذرة تنمو على أرض الواقع.
الحديث هنا عن نخبة اللاعبين السعوديين الموجودين حالياً في دوري المحترفين السعودي، الذين ترسم لهم حالياً خطط الانتقال إلى أندية أوروبا بهدف الوصول إلى قائمة سعودية لا تقل عن 20 لاعباً بحلول عام 2026.
أتصور أنه وسط القوانين الحالية المطبقة في الدوري السعودي، التي تنص على أن كل ناد يحق له تسجيل 10 لاعبين أجانب، بينهم اثنان تحت سن 21 عاماً، رسالة صريحة للاعبين السعوديين الشباب بأهمية البحث عن ناد أوروبي يصقل مواهبهم بشكل أفضل ليكونوا نواة منتخب سعودي قوي قبل عام 2027.
قد نرى بحسب الترتيبات والخطط غير المعلنة من جانب المسؤولين عن الرياضة السعودية المزيد من اللاعبين المحليين وهم يغادرون أنديتهم المحلية للاحتراف الخارجي واللحاق بسعود عبد الحميد وفيصل الغامدي ومروان الصحفي.
كان فراس البريكان على أبواب المغادرة، لكن المحادثات مع رويال أنتويرب تعثرت قبل ساعات من إغلاق سوق الانتقالات في الدوري البلجيكي، لكن المحاولات ستعود بالتأكيد في الفترات الشتوية أو الصيفية المقبلة.
لن يكون المنتخب السعودي قوياً بما يكفي ولاعبوه أسرى «دكة البدلاء»، واللعب لدقائق معدودة في كل مباراة، كما يحدث حالياً في الدوري المحلي.
ولا يمكن مقارنة المرحلة الماضية بما هو قادم على اعتبار أن هناك رغبة جادة لبناء دوري قوي أساسه أفضل اللاعبين الأجانب في العالم، فيما ستكون الفرصة متاحة للاعب السعودي للانتقال خارجياً لبناء صورته دولياً.
تدرج اللاعب السعودي في أوروبا برأيي يحتاج إلى وقت للحصول على الفائدة المطلوبة بدنياً ومهارياً وفنياً، وهذا سيكون بازدياد حضوره في الدوريات الوطنية الأوروبية المتنوعة في السنوات المقبلة.
تصدير اللاعبين السعوديين إلى أوروبا بلا شك يحتاج لوقت طويل كون المفاوضات صعبة، وسُبل الإقناع أصعب والأسباب كثيرة، لكن الأثر سيكون كبيراً جداً لكرة القدم السعودية وللمنتخب الوطني.
استمرار مشروع ابتعاث اللاعبين السعوديين منذ سن مبكرة سيقوي منتخباتنا السعودية، كما فعلت اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وإيران والمغرب وتونس والجزائر والمنتخبات الأفريقية الأخرى.
وبما أن العجلة بدأت تدور، سيتعين على المسؤول المراهنة على المشروع بدعمه وتعزيزه ومتابعته وتثقيف اللاعب المحلي بما سينتظره لاحقاً في حال أجاد بملاعب أوروبا، كما يجب على إعلام الأندية والمشجعين أن يخرجوا من «دائرة الميول الضيقة» لأن النجاح سيكون حليف الكرة السعودية في المستقبل... افعلوها الآن وستصفقون لهم بعد سنوات.