د. عبد الله فيصل آل ربح
أكاديمي سعودي, أستاذ مشارك لعلم الاجتماع الديني والنظرية الاجتماعية جراند فالي الأميركية, وزميل أبحاث غير مقيم بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن العاصمة. نشر العديد من الأبحاث المحكمة في دوريات رصينة, إضافة لنشره لعدة دراسات في مراكز الفكر بواشنطن. ومن أهم إصداراته كتاب «المملكة العربية السعودية في الصحافة الأنجلو: تغطية المملكة في القرن العشرين»
TT

وهمُ الحزبين الجمهوري والديمقراطي

استمع إلى المقالة

انتهت مرحلة الاقتراع في الانتخابات الأميركية 2024، وبدأت مرحلة التجاذبات بين الفرقاء حول نتيجتها بين مؤيد ومعارض، بل ومشكك. وإذا كان مستند التشكيك مختلفاً بين من يرى أن عملية الاقتراع قد اعتراها تزوير أو تلاعب، ومن يبني تشكيكه على عدم أهلية جماهير الطرف الآخر للتصويت بسبب كونهم «مضللين» ولا يعون خطورة الاختيار، فإن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن الشعب الأميركي مستمر في الانقسام منذ انتخابات 2016.

ثمة من يحمّل الجمهوري دونالد ترمب مسؤولية الانقسام، كونه القاسم المشترك الوحيد في المواسم الانتخابية الثلاثة؛ لكن الموضوع أخطر بكثير. فما كان لترمب أن يجد مكاناً في المشهد السياسي لولا حالة اليأس التي وصل إليها الناخب الأميركي من خيبة أمله في السياسيين التقليديين الذين لم يعودوا يلبون طموحه ويعبرون عن تطلعاته.

بعيداً عن الداخل الأميركي، وكيف ينظر أبناء العم سام لسياسييهم، والأسس التي يختارون قيادتهم، فلنتوقف قليلاً عند نظرة الدول الأخرى لتلك الانتخابات. ولنحدد دول الشرق الأوسط وعلاقة سياستها بالقادم الجديد - القديم للبيت الأبيض.

بعض الدول ربط مصيره ربطاً بالانتخابات الأميركية، وتم تأجيل عدد كبير من القرارات المصيرية حتى يتبين من سيكون الرئيس القادم. ومع علمهم بأن الموضوع قد لا يحسم إلا في وقت التنصيب في يناير (كانون الثاني) 2025، فقد علقوا مصيرهم بنتيجة الانتخابات. والسؤال الذي يُطرح على سياسيي تلك الدول: ما الفارق المرجو من السيناريوهين المحتملين كليهما (ترمب أو هاريس)؟ بمعنى، هل ثمة خطة واضحة للتعامل مع كل مرشح وفق معطيات إجرائية واضحة؟

الحقيقة المرّة أنه لا توجد رؤية واضحة لدى من أوهموا جماهيرهم بأنهم ينتظرون نتيجة الانتخابات الأميركية وما ستؤول إليه. فلا يوجد مرشح - حزب حليف لتلك الدول حتى يراهنوا عليه؛ لكنهم يفضلون تسويق الوهم على مواطنيهم، وتعليق فشلهم على شماعة القوى العظمى.

عندما ننظر للقوى الإقليمية، فإنها لا تعول على مرشح بعينه، وإنما تستعد لمواجهة السيناريوهات المختلفة وفق مصالحها القومية. فإسرائيل تستفيد من حالة عدم الاستقرار السياسي لدى الإدارة الديمقراطية في المضي قدماً بالقتل والتدمير بلا قيود، فحليفها الأكبر مشغول بنفسه وبترتيب العملية السياسية في واشنطن العاصمة. أما بالنسبة لإيران، فهي تعي تماماً أن لا فرق بين الجمهوري والديمقراطي إلا على صعيد الأداء الإعلامي. وإذا كان البعض ينظر للديمقراطيين بأنهم أنعم في التعامل مع طهران، فإن الواقع يقول إن الديمقراطيين عندما عادوا للبيت الأبيض عام 2020 لم يوفوا باتفاقهم الذي وقعوه عام 2015، رغم أن الرئيس الحالي كان نائباً للرئيس الذي أبرم الاتفاق. ولا حاجة للحديث عن تركيا، فهي عضو في «الناتو» وتنسجم مع الحالة الأوروبية بشكل كبير.

وتأتي المملكة العربية السعودية على النقيض من معظم الدول العربية في نظرتها للانتخابات الأميركية. فقد أحسنت التعاطي مع الإدارات المتعاقبة من دون أن تسمح لواشنطن بلعب دور الفاعل في الموقف السعودي من مختلف القضايا. ولم تستجِب لمطالب ترمب في توقيع الاتفاق الإبراهيمي مع إسرائيل، بسبب تمسك القيادة السعودية بموضوع حل الدولتين بوصفه أساساً يحفظ للفلسطينيين كرامتهم. وأخيراً، فقد عاملت الرياض إدارة بايدن ببرود كبير يليق بما تطرق إليه في الموسم الانتخابي الماضي.

ولكن الفارق شاسع بين بايدن وترمب. فترمب - بطبعه - شخص منفلت في أحاديثه. لكن على صعيد الأجندة السياسية، لم يدرج شيئاً يضر المصالح القومية السعودية؛ بل على العكس، كانت مواقفه إيجابية بشكل كبير. فقد أوضح ترمب أنه ليس مستعداً لخسارة العلاقة مع الرياض بناء على الأسباب التي ساقها مروجو تلك الأزمة، قالها بوضوح شديد.

خلاصة القول؛ إن الانتخابات الأميركية لن تأتي بالمخلّص ولا بالمعطّل، وإنما ستأتي برئيس، وحكومة تخدم أجندة القوى العظمى. بالتالي، فإن من يراهن على ترمب أو هاريس إنما يحاول تسويق أسباب لفشله القائم والمقبل. أما الدول التي تحسن رسم سياساتها الوطنية، فإنها تتعامل مع واشنطن وفق مصالحها القومية، بغض النظر عن الفيل الجمهوري أو الحمار الديمقراطي.