وليد خدوري
كاتب اقتصادي عراقي من أوائل الصحافيين العرب المختصين في رصد أسواق الطاقة وشؤون النفط. حاصل على شهادة الدكتوارة من الولايات المتحدة، ويمتلك خبرات واسعة في الصحافة والنشرات المتخصصة. كما عمل في منظمة "أوابك" وتدريس العلاقات الدولية.
TT

«أرامكو» وتحوّل الطاقة

استمع إلى المقالة

ذكر رئيس شركة «أرامكو السعودية» المهندس أمين الناصر في محاضرة له في 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في سنغافورة خلال مؤتمر «أسبوع سنغافورة الدولي للطاقة»، أن هناك عدة تحديات تتمثل في قصر النظر لتوقعات «تحول الطاقة» منها: ارتفاع التكاليف المالية لمشاريع الطاقات المستدامة عن التقديرات الأولية؛ وعدم الأخذ بنظر الاعتبار اللازم حجم التوسع في الأسواق الآسيوية ودورها الضخم في أسواق الطاقة العالمية، بحسب الدورية الأسبوعية البترولية الباريسية «بترواستراتيجيز».

أكد الناصر على أهمية الأسواق الآسيوية، التي تستهلك حالياً أكثر من نصف الطلب العالمي على الطاقة. وأنها تلعب دوراً أساسياً في تجارة الطاقة العالمية، نظراً لعدد سكانها المرتفع ولديناميكية اقتصاداتها.

وأضاف الناصر أن أسواق الطاقة الآسيوية تلعب حالياً دوراً محورياً في صناعة الطاقة العالمية من حيث ضخامة حجم استهلاكها الطاقوي ودورها في ريادة صناعات الطاقات المستدامة. ونبه رئيس شركة «أرامكو السعودية» إلى أن معظم خطط تحول الطاقة لا تأخذ بنظر الاعتبار آراء وأولويات أسواق الطاقة الآسيوية؛ الأمر الذي يشكل فجوة كبيرة في توقعات مراحل تحول الطاقة.

كما أشار الناصر إلى أن معظم خطط تحول الطاقة يركز على التغيير من السيارات الخاصة، ومحاولة استبدالها بالسيارة الكهربائية أو الهجينة، دون الأخذ بنظر الاعتبار وبالكفاية اللازمة وسائل النقل الأخرى من حافلات النقل العام، وشاحنات السلع والمواد الثقيلة والنقل البحري والجوي، وما تشكله وسائل النقل الأخرى من أهمية كوسائل للنقل وما تستهلكه من وقود بترولي.

تكمن هناك تحديات عديدة في مجال النقل، حيث يتم التركيز إعلامياً وفي خطط تحول الطاقة، على أنه بناء على ازدياد عدد السيارات الكهربائية سيتم نجاح مراحل تحول الطاقة، لكن هناك عوامل عدة أخرى تدل على قصر النظر في هذا المجال، يتوجب أخذها بنظر الاعتبار. مثلاً: هناك على الطرقات العالمية حالياً نحو 57 مليون سيارة كهربائية، مقارنة بنحو 1.5 مليار سيارة تحرق البنزين أو الديزل.

كما يتوجب الإشارة إلى أن أغلبية استعمال السيارة الكهربائية حالياً تأتي في الصين، ثم أقطار السوق الأوروبية المشتركة، فالولايات المتحدة. هذا، مع العلم، أن نحو 70 في المائة من توليد الكهرباء في آسيا حالياً يتم بوسائل الطاقات التقليدية (الوقود الأحفوري)، وليس من مصادر الطاقات المستدامة؛ هذا في حين أن معدل استهلاك الكهرباء للفرد الواحد في آسيا يساوي نحو عشر ما يتم استهلاكه من الفرد الواحد للكهرباء في الدول الصناعية.

وانتقل الناصر إلى تحدٍ آخر يواجه تحديات مراحل الطاقة، وهو قصر النظر «للدراسات العالمية في هذا المجال. ففي حين توصلت اليابان والأقطار الأوروبية والولايات المتحدة إلى معدل مستقر نسبياً لطلبهم النفطي، فإنه رغم ذلك ما زالوا يستهلكون معدلات عالية من النفط، مقارنة باستهلاك الدول النامية ذات أعداد السكان العالية وانطلاق نمو اقتصادي موعود».

فرغم أن معدل الاستهلاك الفردي السنوي للنفط في الولايات المتحدة هو نحو 22 برميلاً، مقارنة بنحو 9 براميل في أقطار الاتحاد الأوروبي، فإنه يبلغ نحو 1.4 برميل في الهند وأقل من برميل واحد في الدول الأفريقية. ومن ثم، فمن المتوقع أن يرتفع عالياً استهلاك النفط في دول «الجنوب العالمي» مع النمو الاقتصادي المستقبلي لأقطار «الجنوب» المكتظ بالسكان.

ويتوقع رئيس «أرامكو السعودية» أن يستمر الطلب العالمي للنفط على معدله الحالي الذي يفوق 100 مليون برميل يومياً بحلول عام 2050، بمعنى أنه سيستمر استهلاك النفط على مستوى معدله الحالي خلال العقود المقبلة، على عكس ما تتنبأ به بعض التوقعات، وبالذات توقعات وكالة الطاقة الدولية، من ناحية. لتستمر المحافظة على هذه المعدلات بعد عام 2050 بحلول مرحلة تصفير الانبعاثات، التي كان قد تم توقع توقف استهلاك النفط فيها في حينه، من ناحية أخرى.

من نافل القول، إن هذه التوقعات آتية من واحدة من كبرى شركات النفط في العالم، ومن دولة ذات أضخم الاحتياطات النفطية (في المنزلة الأولى مع الولايات المتحدة وروسيا).

لكن في الوقت نفسه، فإن خبرة شركة «أرامكو السعودية» واسعة بحكم نشاطها النفطي مع العديد من أسواق وشركات النفط، الأمر الذي يوفر لها الخبرة والمعرفة الواقعية لأسواق النفط العالمية، ومن ثم، فإن استنتاجاتها وتوقعاتها مبنية على هذه الخبرات الواسعة، حيث، على سبيل المثال، تشكل صادراتها اليومية إلى الأسواق النفطية الآسيوية منذ عقود أكثر من 60 في المائة من مجمل صادراتها، ناهيك عن استثماراتها في الصناعات البتروكيماوية في الصين، بالإضافة إلى استثماراتها منذ العقد الماضي في استثماراتها في السعودية بالصناعات المستدامة.