في سياق معالجة «العلة اليمنية: اليمننة»، والتمهيد للسلام المُنْتَظَر، هل يطرق الخيال السياسي اليمني باب «التهدئة الإعلامية» باجتراح «نموذج» خطابٍ يتجنب «العنتريات» والتشهير الذي يُزيد الآخرين شهرة، فيجعلهم كيهوديٍ ألماني اقتنى صحيفةً نازية معادية لليهود أمام صديقٍ صاح مستنكراً:
- «أتشتري هذه النشرة المشحونة بالكراهية لنا؟».
• بهدوءٍ أجابه: «نعم، لأنها تعطيني الراحة والعزاء».
- «كيف وهي تشتمُنا دائماً؟» تساءل مستغرباً.
• «حين أقرأ أننا نسيطر على الاقتصاد، ونؤثر في السياسة، ونوجه الإعلام، ونتحكم في المصائر، ترتفع روحي المعنوية»!
مطلوبٌ إذاً، خطابٌ يتحاشى تهويل وتهوين الآخر؛ دونما تجاهل لأفعاله. بيد أن «تغيُّر» الخطاب مرهونٌ بمواكبة أي «تغيُّر» سياسي مهما ظلت تَحُفُّه المعوقات.
الإعلام كالسياسة الخارجية انعكاسٌ للسياسة الداخلية... وقطعاً متى ما تحسنت أوضاع الإعلاميين، وتحرروا من أَسْرِ المفاضلة «بين السيئ والأسوأ» وبث ما «يرفع المعنويات!»، سيشيع الاهتمام بخدمة وتنوير المواطنين، بوصفه مبرر وجود «النموذج» الذي ينشده معظم اليمنيين.
لمعلوماتكم، «البحث عن نموذج» ليس بجديد، إنه همٌ يمني قديم.
في خمسينات القرن العشرين داخل سجون مدينة حَجَة، دارت مناقشة سياسية حول مستقبل اليمن، ضمها كتاب «من وراء الأسوار» يحتوي إجابات السؤال «من نحن، وماذا نريد؟» الموجّه من الأستاذ محمد أحمد نعمان إلى بعض الأحرار اليمنيين، منهم القاضي عبد الرحمن الإرياني الذي اقترح ابتكار نموذج «يسلك مسلك (المطاولة لا المناجزة) حسب ابن خلدون، كسراً لاحتكار الأئمة للسلطة، مع الانتقال من الشمال إلى مناطق (اليمن الأسفل) أو إلى (الجنوب اليمني)، لتصبح مركزاً للحركة - لا للانفصال - وقاعدةَ نضال لإخضاع (القسم الأعلى) بالاتفاق بين أحرار القِسمين».
تعذر تطبيق المقترح، يومذاك، لكن مناهضة «الإمامة» استمرت حتى تراخت قبضتها وتآكلت داخلياً وآن أوانها أول الستينات؛ فيما كان مناضلو الجنوب اليمني ضد الإنجليز، كالأستاذ عبد الله باذيب، وقادة «رابطة أبناء الجنوب» يبشّرون «بالوحدة مع الشمال مستقبلاً بعد تطور أحواله».
أُعلنت جمهورية الشطر الشمالي صباح 27 سبتمبر (أيلول) 1962، ثم عَجَّلَ الشطر الجنوبي استقلاله عن نير الاستعمار؛ وبعد 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 1967 ظهر «نموذج متطرف» ألحقَ الجنوب اليمني بـ«محور ثوري» يضم النظام السوري أيام الرئيس نور الدين الأتاسي الذي نوه بحليفه «الثوري الوطني» تعريضاً بالشمال المعتدل أمام رئيسه -حينذاك - القاضي الإرياني. وفقاً لمذكرات الأخير تلقى الأتاسي رداً إريانياً قاصِفاً: «لم نجد في تطرفكم ما يشجعنا على التطرف»! كذلك الاعتدال لا يشجع المتطرفين ويغريهم كثيراً... أو سريعاً.
كلما كان نظام أي شطر يمني يتخذ إجراءات وسياسات معينة، خلال السبعينات، يجابهه نظام الشطر الثاني بتشهيرٍ «يرفع المعنويات». لأن «كل حربٍ أولها كلامٌ» اندلعت الحروب باسم «الوحدة اليمنية» بُغية فرض كل نظامٍ لنموذج غير مُقنِع للنظام الآخر.
وعادةً ما رافقت التشهير عادةُ منح ومنع صكوك الوطنية و«النقاء الثوري»، معتمدةً «إعفاء الذات من معايير نقدها للآخر» حسب ملاحظةٍ للمفكر اليمني محمد العلائي تضمنها كتابه القيم «الجمهورية الفانية - (إصدار دار الفارابي)»، مفنداً ادعاءات مُثارة حول «نماذج» حكم اليمن بالقول: «نفترض أننا كيمنيين، لم نكن ناضجين ولا فاضلين بما يكفي، وأن العقود الماضية دلّت على عدم أهليتنا لنحافظ على جمهوريتنا، لكن الألف عام السابقة للجمهورية تدل قطعاً على عدم أهلية الإمامة كنظرية وتجربة، وقد برهن واقع اليمن على عدم صلاحيتها مرات كثيرة».
... سيبقى التطلع والتشجيع لإبراز نموذج يمني إيجابي متماسك، سياسياً وإعلامياً، يبرهن على إثبات صلاحيته و«الأهلية الوطنية» بعمله وهِمَّتِه في خدمة وتنوير المواطنين، وتقديم ما هو أفضل مما تقدم، مع انتهاج سبل السلام لليمن... وقطع عادة تشهيرٍ «ترفع المعنويات» دونما قصد.