لطفي فؤاد نعمان
كاتب وباحث سياسي يمني
TT

الطريق إلى «خريطة الطريق» اليمنية

استمع إلى المقالة

شاعت التكهنات حول خريطة الطريق التي عاود مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، الحديث عنها ضمن إعلان 23 يوليو (تموز) 2024م عن اتفاق الأطراف اليمنية «الحكومة الشرعية، وجماعة أنصار الله (الحوثيين)»، على خفض التصعيد، كتهدئة مطلوبة وخطوة في طريق السلام لليمن.

«إن غموضاً يكتنفُ تلك الخريطة ومصير البلد...» هكذا تردَّد، ويتَّضح مدى الاستسلام لنظرية «المؤامرة»، تماشياً بين تحيزات مسبقة ومصادفات الوقائع الطارئة، وإشاعة لحالة من عدم اليقين إثر «إلغاء الإجراءات المصرفية»... يُحسَب لمحافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب، شجاعة اتخاذ القرارات بتلك الإجراءات التي شكَّل الإعلان عنها ضغطاً على من اضطروا إلى أن يتوسلوا الرجوع إلى تلك الخريطة الواضحة للعيان إذا بذل مروجو غموضها جهدهم بمجرد ضغطة زر على صفحة «السيد: غوغل (رضي الله عنه)» لكي تتجلى لهم «خريطة الطريق» إلى معرفة مضمون «خريطة الطريق».

المضمون «غير المضمون تنفيذه» لدى بعض اليمنيين بتأثير شك منطقي وسوابق اليمنيين الآخرين، يسبقُ استعراضَه جوابٌ بدهيٌّ -على من يتساءل حول: «من صاغ وابتكر خريطة الطريق؟»- إنها «معاناة وآلام اليمنيين».

تلك المعاناة والآلام، قبل أي «مؤامرة»، هي الذخيرة الأساسية ووقود التحرك صوب إعداد خريطة من الطبيعي أن تتضمن إجراءات عسكرية وأمنية، وإنسانية، واقتصادية وسياسية، تمس عوارض المعاناة والآلام. فبسبب الصراع المسلح، تنص الخريطة على «وقف إطلاق النار».

ولأن بعض الطرق والموانئ والمطارات أُغلِقَت، أشارت الخريطة إلى «فتح الطرق والموانئ والمطارات».

ولوجود قوات غير يمنية، تركز الخريطة على «خروج -ما تبقى من- تلك القوات». وبسبب قطع المرتبات وانشطار العملة، وانشقاق البنك المركزي، واضطراب العملية المصرفية بقوانين ما أنزل الله بها من سلطان، تستهدف الخريطة «صرف المرتبات وتوحيد العملة وعمل البنك واستقرار الوضع المصرفي».

ونتيجة آثار الحرب لا يفوت ذِكر «التنمية والإعمار»... المُعَدّين مسبقاً.

ولانتشار الخطاب التصعيدي يُفترض اشتمال الخريطة على «التهدئة الإعلامية».

وبوصفه نزاعاً سياسياً وتاريخياً بين اليمنيين، ترتب الخريطة «تحضير مفاوضات سياسية حول حل شامل».

وبما أن المهام كبيرة لا تنجَز خلال فترة قصيرة، تحددت ثلاث مراحل زمنية أولاها «ستة أشهر، ثم ثلاثة أشهر، وأخيراً سنتان انتقاليتان» تشكَّل فيها «حكومة وطنية»، وإن فضَّلنا «التكنوقراط».

حددت الأزمنة مسبقاً، لأن «لكل طرف يمني على حدةٍ» أولويات كثيرة ترتبك عندها البصيرة عن الاهتداء إلى التدبير المبكر لآلية تنفيذية مزمنة؛ عسى ولعل أن يعز تكرار صفحات سابقة من «سيرة (الحرب) في اليمن» عن فصول الاتفاقيات والمبادرات التي لم تولَد آلياتها سريعاً، وتطلبت فترة إضافية للتفاوض حول آليات التنفيذ...

لأن «النفس مولعة بحب العاجل»، يتعجل السامعون بالخريطة أيضاً مسارعة تنفيذ الخطوات المعلن عنها، متناسين الرصيد الضخم في إرجاء تنفيذ الاتفاقيات اليمنية، حيث:

الشبرُ في عُرفِ السياسة فرسخٌ

واليوم في فلكِ السياسة جيلُ!

وعلى الرغم مما مرّ على الأبرياء من المعاناة والآلام، بيد أن آمالهم أكبر في ألا يمُر عليهم أكثر مما مرَّ (مرارةً، ومروراً مغروراً). وسيبذلون صبراً وتشجيعاً على مضيِّ الأطراف المعنية في طريق «الالتزام بتعهداتهم تجاه الشعب اليمني، وإنهاء معاناتهم». لليمنيين أن يتعجلوا إنهاء معاناتهم بمقابل ما للأطراف اليمنية أن يتمهلوا استعداداً لمهامهم المرحلية وفق خريطة الطريق، إنما حين تحين لحظة العمل فحقيقٌ عليهم ألا يترددوا؛ وفاءً والتزاماً بالمسؤولية تجاه أجيال الحاضر والمستقبل؛ ما لم تلتهمهم صراعات الماضي المتجدد.