سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

تصالح الفصائل الفلسطينية!

استمع إلى المقالة

ها هي «حماس» وبقية الفصائل المسلحة التي شاركت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، تقبل بالتفاوض، تقبل بالحوار، تقبل بالحلول الدبلوماسية، وهي التي اتهمت كل من دعا لها بالعمالة، ها هي تقبل بها حلاً وتلجأ إلى الصين للإعلان عن موافقتها!!

تصالح الفصائل وقبولها التفاوض والجلوس على مائدته، طرح عربي منذ البداية، لكنه صُنّف صهينة وتطبيعاً وخضوعاً، وهذا ديدننا مع الأسف؛ لا نقر بأخطائنا إلا بعد فوات الأوان وضياع الفرص؛ الواحدة تلو الأخرى.

منذ لجأت «حماس» لإيران وقبلت أن تكون لها ذراعاً، كانت ترفض أي شكل من أشكال الحلول الدبلوماسية وتنعت من يقبل بها بالمتصهين، وكان القرار إيرانياً لا فلسطينياً.

وطوال فترة التصعيد الجاري بين إسرائيل وإيران في الآونة الأخيرة حاولت الميليشيات الإيرانية - بما فيها «حماس» - أن تفرض الخيار المسلح ومعه قاعدة «إما أنك مع الميليشيات الإيرانية أو أنك مع إسرائيل»، فأيهما تختار فلا ثالث لهما.

رفضت مبادرات الأنظمة العربية بوصفها خياراً ثالثاً، وألغته حتى عن الشعب الفلسطيني الذي سلبته حقه في اختيار مصيره، الأدهى أنها فرضت إلغاء هذا الخيار حتى على المواطن العربي، وكأنه لا وجود لجميع المبادرات التي تقوم بها دول الخليج ومصر، وكأن تلك الدول لم تقدم للمعاناة الفلسطينية أي حلول أو مساعدات مادية وعينية وسياسية، وكأن الذي يتحرك دبلوماسياً ويجوب البقاع من أجل إنقاذ الشعب الفلسطيني غير موجود، وكأن دعوة الحوار بين الفصائل الفلسطينية للقبول بالتفاوض لم تطرح عليهم من قبل؛ لا من السعودية أو مصر أو الإمارات، لم يكفهم الرفض بل وجهوا أقسى الاتهامات لمن يدعو للقبول بالمبادرات العربية، والآن بعد أن مات عشرات الألوف وانتهت غزة واحتلت وضاعت رفح قبلوا بالتفاوض وقبلوا بالاتفاق فيما بينهم، إنما منحوا الصين فضل تجميعهم!!

الأسوأ أنه لم يكف انقسام الفصائل الفلسطينية بل حاولوا مد هذه الانقسامات إلى الشارع العربي. أقرأ تعليقات المتابعين لأخبار التصعيد الجاري في اليمن أو لبنان مع إسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي، فلا أجد إلا طرحاً غريباً اكتسبت فيه الميليشيات الإيرانية المحتلة زخماً عاطفياً؛ لأنها هي الوحيدة التي تصدت عسكرياً للاحتلال الإسرائيلي، غير مدركين أن الصراع الذي يجري الآن ما هو إلا بين محتلَّين مستعمرين لأراضينا ويتقاتلان. كلٌّ يحمي منطقة نفوذه.

فهل وصل بنا الغباء أن علينا أن نختار بين محتل ومحتل؟ إيران التي احتلت أربع دول (لبنان وسوريا والعراق واليمن) أو إسرائيل التي احتلت فلسطين؟ إنها قمة المأساة أن يتصدر الرأي العام العربي فتوات الاحتلالَين وبلطجيتهما، وأن يجدوا لهذا الطرح المختل قبولاً واقتناعاً وتصديقاً.

من يعترض على قرارات الميليشيات الإيرانية التي تحتل الدول العربية حين تجازف بسلامة المدنيين العرب فإنه صهيوني يؤيد الاحتلال الإسرائيلي!! والمضحك أن هناك من هو مصدق أن تحرير فلسطين بالنسبة للمحتل الإيراني من براثن الاحتلال الإسرائيلي لا يتم إلا باحتلال المزيد من الأراضي العربية.

أصبح للحوثي معجبون ومصفقون ومهللون، وهو الذي يحتل اليمن بأمر من خامنئي ويتحرك بأمر من الحرس الثوري الإيراني ويعلن التبعية المطلقة لإيران، أصبح للحوثي معجبون، وهو الذي قتل من اليمنيين والعرب وأطلق مسيّراته على السعودية والإمارات، أصبح للحوثي مؤيدون ومحبون وهو المحتل رقم واحد لأنه أطلق النار على المحتل رقم اثنين!

هذه العقلية هي التي لا ترى أن مأساة الفلسطينيين والعرب عموماً ذلك الاختلال في الرؤية العربية، ولا أحد يفتح عينيه ويرى بوضوح إلا بعد فوات الأوان ووقوع الخسائر.