القراءة للذي يحبها هي متعة لا تضاهيها متعة، إذ تجعلك تتنقّل بين الماضي والحاضر وترنو إلى المستقبل وآماله لتعيش في عصور مختلفة من خلال قصة أو رواية أو حتى صحيفة، وتمنح القارئ المعرفة حول ما جال ويجول حولنا من أحوال الأمم السابقة والحالية بالإضافة إلى أمور شيّقة أو مهمة أخرى من كتابات وآراء وأحداث...
مع تطور التكنولوجيا أصبحت القراءة الورقية والقراءة الإلكترونية خيارين شاسعين، على الرغم من أن هناك فرقاً شاسعاً إلاّ أنه وفي نفس الوقت لا يوجد فرق، فالمضمون هو نفسه ولكن الشكل والطريقة مختلفان. كما أصبحت للقراءة الإلكترونية مصطلح يُطلق عليه عملية قراءة الكتب بالتنسيق الرقمي بدلاً من التنسيق المطبوع، حيث تتضمّن هذه العملية قراءة الكتب والصحف من على الجهاز المحمول، أو الجهاز اللوحي، أو الهاتف الذكي.
وأكد محمد محمود حمودة، مدرّس واستشاري الطب النفسي بكلية الطب بجامعة الأزهر، أن الذاكرة من الورق أفضل لأن رائحة الكتب تعزز مناطق الذاكرة والتركيز في المخ أيضاً، فالقراءة مفيدة للصحة النفسية بشكل كبير وهي بمثابة تمرين للدماغ لأنه عند القراءة يحدث تخليق لخلايا عصبية جيدة في المخ وتنشيط الخلايا العصبية مما يحسّن من وظائف المخ ووظائف الخلايا العصبية. وذكر أن الأطفال الذين لديهم ضمور في المخ يكون علاجهم القراءة التي تُعدّ من أهم العلاجات السلوكية المعرفية في جلسات تنمية المهارات لهؤلاء الأطفال، لتنمية وخلق خلايا عصبية جديدة محل الخلايا القديمة التالفة.
والشيء بالشيء يُذكر، ففي ظلّ التحديات الراهنة التي تواجهها الصحف الورقية، شهدت الصحافة تطوّراً كبيراً بعد انضمام الصحافة الإلكترونية الرقمية لنقل الخبر، لذا فإن مستقبل الصحافة الورقية مرتبط بقدرتها على التجدّد لمجاراة الصحافة الإلكترونية التي تنافسها في ملاحقة الأحداث المتسارعة والمتجددة على مدار الساعة. بالإضافة إلى ميزات تحفيزيّة أخرى أدّت إلى جذب توجه القارئ نحو الصحافة الإلكترونية والمواقع على الشبكة العنكبوتية على الرغم من السلبيات الخطيرة أحياناً من أخبار مغلوطة وغيرها وأضرار صحية وجسدية ونفسية وغيرها.
وإذا عدنا إلى تاريخ الصحافة فإن فكرة الصحف لعرض الأخبار بصورة يومية ظهرت للمرة الأولى في العالم في العاصمة الإيطالية روما في نحو عام 59 قبل الميلاد من خلال صحيفة «أكتاديورنا Acta Diurna»، حيث اعتُمد في صناعة هذه الصحيفة ورق البردى الرديء النوعية، كما صدرت الصحف المطبوعة للمرة الأولى في العالم في ألمانيا بحلول القرن السابع عشر الميلادي عام 1605، على يد يوهان كارلوس، ويمكن الحصول على نسخ منها متوفرة تعود إلى عام 1609م لتصبح أوروبا مركزاً للصحف المطبوعة بعدة لغات، تجارة رائجة آنذاك، لكثرة توفرّها ورخص ثمنها بعد أن كانت الصحف قديماً غير متوفرة إلا للقلّة القليلة من طبقة الأغنياء الذين يستطيعون دفع أثمانها الباهظة حينذاك.
أما بالنسبة إلى العالم العربي فإن الصحيفة المطبوعة الأولى صدرت في بغداد (العراق) عام 1816م تحت اسم «جورنال العراق Jurnal Iraq»، تبعها صدور أولى الصحف العربية الرسمية «الوقائع المصرية» حيث صدرت في 25 جمادى الأول عام 1344هـ، 3 ديسمبر (كانون الأول) عام 1828م باللغة العربية واللغة التركية العثمانية التي أصدرها رفاعة الطهطاوي (رئيس التحرير) بناءً على فرمان محمد علي باشا، مُحدثاً ثورة في مواد وتوجّهات أولى الجرائد الحكومية المصرية. بينما أولى الصحف إلكترونية في العالم صدرت في عام 1992 حيث أنشئت «شيكاغو أونلاين» الصحيفة الإلكترونية الأولى على شبكة «أميركا أونلاين». ولكن يبقى السؤال: هل الصحافة الورقية أفضل أم الإلكترونية؟لا تمكن الإجابة عن هذا السؤال بشكل نهائي، فحينما نتحدث عن المضمون وجودة المعلومات، فكلتا الصحيفتين، الإلكترونية والورقية على حدّ سواء، تعتمد على مصادر للمعلومات جيدة أحياناً وغير جيدة أحياناً أخرى. ففي عصر السرعة الذي نعيش فيه حالياً تتميز الصحافة الإلكترونية بسرعة نقلها المعلومات ومتابعة الأحداث بالصوت والصورة مما يثبت صحتها، في حين أن الصحف المطبوعة تُضطر إلى انتظار 24 ساعة لطباعة الخبر مما يُفقدها السبق الصحافي، إلى غيرها من السلبيات الأساسية.
على الرغم من انتشار الصحافة الإلكترونية، لا يزال للصحافة الورقية قراؤها. فإن القراءة من الكتب والصحف الورقية فيها نوع من النوستالجيا أو الحنين إلى الماضي، ولها سحر خاص لا يضاهيه شيء، ورائحة الورق تدخل كالأكسجين إلى الأعماق، وخشخشة الورق التي تشنّف الآذان كموسيقى سيمفونية بطريقة مريحة ونظر مريح.
ولكن يبقى التساؤل: هل الصحافة الورقية ستظل صامدة؟!