مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

استمع إلى المقالة

بعيداً عن تفاصيل الأخبار ودقائق الأنباء، في مجالنا العربي، وصعوداً لكليات الأمور ومعاقد الأفكار وجواهر العناوين، سنجد أننا ما زلنا نناقش نفس الذي ناقشه أسلافنا قبل قرن تقريباً.

كتاب «طبائع الاستبداد» للمثقف والشيخ الحلبي الثوري عبد الرحمن الكواكبي مضى عليه قرابة قرن وربع من الزمان، فمؤلفه مات سنة 1902؛ قيل اغتيالاً من مخابرات عبد الحميد الثاني، ناقش فيه مؤلفه الاستبداد والديمقراطية، وتبعاً لذلك في كتابه الآخر «أم القرى» مسألة الهوية والدين والوطنية.

ثم سال حبر غزير منذ ذلك الوقت، وفي عصر الرقمنة، ملايين الصفحات والتويتات والبوستات والفيديوهات والبودكاستات في ذات الموضوعات.

من نحن؟ ما هويتنا؟ ما طبيعة العلاقة بين الدين والدولة والمجتمع؟ ما العقد الاجتماعي السياسي الأصلح لنا؟

ليس خللاً أن يستمر الجدل في ذلك، لكن غير المعقول ألا يحدث تراكم كيفي ينتج عن تراكم كمّي، هنا نصبح أمام تبلد وتجمد وتجلمد (من الجلمود) في نقطة دائرية واحدة.

المجتمع العربي -ليس الكل طبعاً- الماضي لديه يظلل الحاضر ويحجب عنه عين الشمس، والحاضر يتسول فُتات إنجاز من الماضي، فلا هو بالذي عاش منفرداً مسؤولاً بعيداً عن الالتصاق بالماضي كالأطفال، ولا هو بالذي ترك الماضي طبيعياً غير مضخم بالمديح ولا مشوهاً بالهجاء المريض.

زمننا دائري، ومشكلاتنا تدور وتدور، ويدوخ معها العقل. سنظل نعيد نفس النقاش ونفس الحجج، ونفس النتائج، مع بعض المحسنات البديعية، واللمسات التكنولوجية العصرية، والجوهر لم يتغير. دائرة مغلقة من العبث.

هل ثمة مشكلة في فاعلية قنوات تمرير الأفكار الناضجة التوعية حتى تصل بالفكرة من مبتداها الجنيني إلى منتهاها الطبيعي، فكرة شابة قادرة فاعلة...؟ أين تكمن نقاط الانسداد هذه؟

لا تقل إن «بوب كورن» الحكي و«مكسّرات» الثرثرة في مقاهي السوشيال ميديا، هي المعوَّل عليه في صناعة ثم تمرير ثم تطبيق الأفكار الكبرى!

المذهل أن النقاش الخالد، في القضايا المشار إليها قبل قليل، يعاد كل كرَّة ومرة بنفس الحماسة والدهشة!

قال نزار قباني:

ما زلنا منذ حزيران.. نحنُ الكُتّاب

نتمطَّى فوق وسائدنا..

نلهو بالصرف وبالإعراب