ريتشارد بينيت
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

مستقبل أفغانستان ودور المرأة فيه

استمع إلى المقالة

في مايو (أيار) 2022، بعد مرور 9 أشهر على استعادة حركة «طالبان» السُّلطة في أفغانستان، زرت مدرسة ثانوية للبنات كانت لا تزال مفتوحة في الشمال رغم الحظر المفروض على تعليم الفتيات بعد الصف السادس، ورفض سكان المنطقة، التي تتمتَّع بتاريخ طويل من تقدير أهمية التعليم، الامتثال للقرار، والتقيت هناك مجموعة من طالبات الرياضيات في الصف الحادي عشر، وتحدثن معي عن آمالهن في المستقبل، وقالت لي إحدى الطالبات: «لا أريد أن ينتهي بي الأمر محاصَرة في المنزل ومحكوماً عليَّ بحياة منزلية، بل أريد أن أنهي دراستي وأصبح معلمة حتى أتمكن من مساعدة عائلتي والآخرين».

واختتمت زيارتي لأفغانستان في ذلك الوقت على أمل أن الوضع قد لا يصبح قاتماً، كما كنت أخشى أنا وكثير من الأفغان، لكن عندما عدت مرة أخرى بعد عام، وجدت أن كل شيء قد تغير، إذ حدث إغلاق المدرسة، وبدلاً من حضور الدروس، أُجبرت الطالبة التي تحدثت معها سابقاً وزميلاتها في الفصل على البقاء في المنزل، وجرى نقل معلماتهن إلى مدرسة ابتدائية، والآن، انتشرت أزمة في الصحة النفسية في البلاد، إذ تقول الفتيات إنهن يعانين من القلق والاكتئاب واليأس، كما تُظهر التقارير ارتفاعاً مثيراً للقلق في حالات الانتحار، ناهيك عن كثير من التحديات الأخرى التي تواجه الفتيات والنساء تحت حكم «طالبان».

وفي ضوء كل ذلك، عقدت الأمم المتحدة اجتماعها الثالث للمبعوثين الدوليين الخاصين في العاصمة القطرية، الدوحة، أمس الأحد، لمناقشة مسار سياسي لأفغانستان، ووافقت حركة «طالبان» على دعوة الأمم المتحدة للانضمام إلى الاجتماع (بعد أن رفضت حضوره في فبراير / شباط الماضي). وبعد إجراء المناقشات مع الحركة، فإنَّ جدول أعمال الاجتماع سيركز على مكافحة المخدرات، ومساعدة القطاع الخاص، لكنه لن يتضمن قضايا حقوق الإنسان أو قضايا المرأة، كما لن تجري دعوة النساء أو ممثلي المجتمع المدني الأفغاني.

وعندما استعادت «طالبان» السلطة في أغسطس (آب) 2021، قال قادتها في البداية إن تعليم الفتيات بعد الصف السادس سيجري تعليقه إلى أن تتوافق الظروف مع القواعد الإسلامية، والآن، بعد مرور أكثر من 1000 يوم، لا تزال المدارس مغلقة أمام الفتيات فوق سن الـ12، وقد توسعت القيود المفروضة على التعليم لتشمل الجامعات أيضاً، وتقول «طالبان» الآن إن التعليم هو «مسألة داخلية»، ولم يجرِ تحديد موعد محدد لإعادة فتح أبواب المدارس أمام الفتيات، إذا جرى ذلك على الإطلاق.

فالحرمان من التعليم ليس سوى جانب واحد من كثير من المراسيم التي تفرضها «طالبان» ضد المرأة، فقد طُلب من الموظفات في الخدمة المدنية عدم الحضور إلى العمل عندما استعادت الحركة السُّلطة، وحُظرت النساء الآن من العمل في المنظمات غير الحكومية والوكالات الإنسانية، بما في ذلك الأمم المتحدة، كما جرى إغلاق بعض الشركات المملوكة للنساء، مثل صالونات التجميل، وباتت النساء يحتجن إلى مرافقة أحد الأقارب من الذكور للسفر.

والنتيجة الآن هي أنه جرى إقصاء النساء والفتيات بشكل كامل من الحياة العامة اليوم، حيث يجري حرمانهن من أبسط حقوقهن، وبدأت النساء الأفغانيات في وصف سياسات «طالبان» بأنها سياسات فصل عنصري جندري من تسعينات القرن الماضي، وترغب النساء هناك، بالإضافة إلى كثير من الأفغان، في تجريم مثل هذه السياسات بموجب القانون الدولي؛ فالقمع المؤسسي الذي تمارسه «طالبان» لا يتسبب في تدمير الجيل الحالي من النساء والفتيات الأفغانيات فحسب، لكن في حال تُرك الأمر دون رادع، فإنه حتماً سيتسبب في أضرار لا يمكن إصلاحها للأجيال الأفغانية المقبلة أيضاً.

وعلى الرغم من كل ذلك، فإن النساء والفتيات الأفغانيات يقاومن، إذ خرجت بعضهن في الشوارع للمطالبة باستعادة حقوقهن، مخاطرات بتعريض أنفسهن لخطر الاعتقال والاحتجاز والعنف، وفي ظل إغلاق المدارس، تلتحق الفتيات اللواتي لديهن القدرة على الوصول إلى الإنترنت، وهن أقلية، بدروس في اللغة الإنجليزية والرياضيات والعلوم، وتنتقل رائدات الأعمال إلى المنصات الإلكترونية، حيث يجدن طرقاً مبتكرة للالتفاف على القيود المفروضة على تحركاتهن، وقالت لي إحدى السيدات هناك: «نحن لم نخلق (طالبان)، لكن يتعين علينا العيش تحت سيطرتها».

وقد يكون من السهل ترك هؤلاء النساء يواصلن خوض هذا الصراع بمفردهن، على أساس أن المجتمع الدولي قد ألحق ما يكفي من الضرر بأفغانستان، ويتعين عليه الآن أن يبتعد عن شؤونها، ولكن هذا سيكون بمثابة إساءة كبيرة للنساء والفتيات اللواتي يُظهرن تحدياً، والكثير من الأفغانيات الأخريات اللواتي ليست لديهن القدرة المالية للدفاع عن حقوقهن، فلدينا واجب تقديم الحماية والدعم والتضامن بشكل متنامٍ مع شجاعتهن.

ويتعين على المجتمع الدولي أن يصر على إزالة القيود المفروضة على حقوق النساء والفتيات الأفغانيات، وعلى مشاركة المرأة بشكل مجدٍ في صنع القرار وعلى المساءلة، كما أنه من المهم أن يجري إدراج هذه القضايا بوضوح في جدول أعمال اجتماع الدوحة، الذي يعد خطوة أولى مهمة.

* خدمة «نيويورك تايمز»