يقول المثل الأفريقي: «ستظل كل القصص تُمَجّد الصيّاد، حتى يتعلم الأسد الكتابة»! فمن يملك القلم يملك التأثير. ولذلك يردد البعض المقولة الشهيرة: «التاريخ يكتبه المنتصرون». كل روائع هوليوود، والأفلام الوثائقية، والمسلسلات الخالدة، جاءت بجرَّة قلم. الكتابة فيها تفكير عميق وهي أدوم تأثيراً، وهي المنصة التي تنطلق منها كل المنصات.
الشعر ديوان العرب، انطلق شفاهة؛ لكن ما خلّده هو القلم. وعلى الرغم من إبداع العرب اللفظي، فإن أروع خطبهم كانت رؤوس أقلامها مكتوبة. وحتى «الستاند أب كوميدي» الذي يبدو ارتجالياً، هو في الواقع سيناريو مكتوب في الأصل. أغلى إعلانات في العالم وأكثرها إبداعاً (في موسم لعبة «السوبر بول») كانت نصاً مكتوباً أقنع المنتج بضخ ملايين الدولارات.
نفسياً، اكتشف العلماء أن الكتابة تفرّغ الهم وتزيل التوتر. ولذلك أخبرني مخترع الخريطة الذهنية توني بوزان (mind map) في لقاء خاص، أنه يُصِر على استخدام اليد في كتابة الخريطة؛ لأن في أيادينا ذاكرة قوية ترسخ المعلومة. التعبير عن مكنوناتنا بالحروف يرفع منسوب الثقة بالنفس. روعة الكتابة أنها تولّد مشاعر مريحة فورية، مثل الرسم والخطابة والشعر والتلوين والتنظيم والطبخ والأشغال اليدوية. فأي عمل نرى نتائجه على الفور يغمرنا بالراحة.
الكتابة هي رمزية للمهارة. فمن يفتقر للمهارات يُحرم من قوة التأثير. ولذلك يتسيد المشهد في الحياة أكثرنا دراما، أو مبالغة، في تسطير بطولات وهمية. ويُحرم الصامت المحترم من تقدير من حوله؛ لأننا أمة تُحب الكلام، وتُعجب بصاحبه ولو كان فعله لا يطابق قوله. نُعد الإنصات ضعفاً والكلام قوة! ترى مفوهاً في وسائل التواصل يُجْمِع بعض متابعيه على أحقيته في تبوؤ منصب قيادي! وينسى هؤلاء أن مهارة التأثير أساسية في القيادة؛ لكنها ليست مقصورة على الكلام. وليس كل مفوه يُحسِن تدبير شؤون الناس. وبالمناسبة لم يُعهَد عن مؤسسي شركات «أبل» و«بيبسي» و«جنرال موتورز» وزعماء بلدان متطورة، فصاحة تُذكَر.
الأسد رمز لكل قوي في فنه. فلا يحتاج ملك الغابة إلى أن يزأر أو يكشر عن أنيابه ليقنعنا بقدراته. ولذلك يقول المثل الأفريقي: «الأسد الذي يزأر لا يقتل فريسته»؛ غير أن هذا ليس كافياً في عالم قد يهضم حقوق المخلصين الذين يفتقرون لمهارات التأثير والتواصل العصرية.
الألم النفسي للمهضوم حقه سيبقى غائراً في وجدانه. ولذلك يردد الإثيوبيون: «ما ينسى هو الفأس؛ لكن الشجرة التي حُطِّمت لن تنسى أبداً».