علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

حاجة أم عادة؟

استمع إلى المقالة

اشتهر العرب بالكرم منذ الزمن القديم، واشتهر فيهم حاتم الطائي حتى أصبح كرمه مضرب مثل على ألسنة العرب، فإذا أرادوا وصف كرم شخص ما قالوا: «أكرم من حاتم»، كناية عن كرم الشخص الموصوف.

ولو راجعنا أسباب كرم العرب في أزمنتهم الغابرة، لوجدنا أن لها عدة أسباب؛ أول هذه الأسباب هو الجوع، فتذكر مصادر التاريخ أن أبناء حاتم الطائي كانوا يتضورون جوعاً وكانت أمهم تطبخ الماء وتعللهم حتى ناموا، في هذه الأثناء تأتي جارتهم لتذكر جوع أولادها ليذبح حاتم فرسه ويوقظ أبناءه وأهل الحي جميعاً ويوزع لحم فرسه عليهم، دون أن يأكل منه شيئاً.

السبب الآخر، شبه انعدام أماكن الإيواء مثل الفندقة وغيرها مع وجود ما يسمى بالخان، وهو مكان سكن يؤجر ولكنه غير متوفر في كل المدن، وهو يتوفر في المدن الكبرى كبغداد مثلاً، لذلك كان العربي إما أن يستضيفه أقاربه أو ينزل ضيفاً على من لا يعرف، ويستضاف ثلاثة أيام لا يُسأل خلالها عن أي شيء. لذلك القصة تبادلية، فإنا ضيف اليوم ومضيف غداً، السبب الأخير أن معظم العرب يسكنون البادية، لذلك يصعب عليهم الحِلّ والترحال بثرواتهم، كما أن لا بنوك في ذلك الزمن، لذلك كانت البنوك هي شخوص الناس فيصنع فيهم المعروف على أمل رده مستقبلاً، وفي هذه الحالة فإن المعروف قد يُرد وقد لا يُرد، فإن لم يُرد فهو يوافق في تعبيرنا الاقتصادي الحالي إفلاس البنك.

في واقعنا الحالي، هل نحن في حاجة كرم الموائد؟ أم نحن بحاجة كرم في طريقة أخرى؟ تقول الإحصائيات أن 25 في المائة من الأرز المستورد للسعودية يهدر بسبب بذخ الموائد، وقس على ذلك الكثير من الأطعمة التي تهدر بداعي الكرم.

والأمر اللافت للانتباه أن بعض من يتكرمون يستلفون الأموال أو يحتالون على الناس ليتكرموا على آخرين، وقد لا يوفون الناس حقوقهم، وهم بذلك خلطوا الأولويات، فليْتهم لم يحتالوا ولم يتكرموا، فهم بذلك كمن يسرق ويتصدق!!، نعود إلى سؤالنا: هل نحن بحاجة إلى كرم من نوع آخر؟ نعم نحن بحاجة هذا الكرم، فلو أسهمنا في دفع مصاريف طالب لا يستطيع دفع رسوم الجامعة لكان أفضل، أو نشتري كتبه أو نسهم بعلاج مريض لا يستطيع دفع نفقة العلاج للمستشفى، أو نساعد مسكيناً ليقيم أوده وقس على ذلك، بدلاً من أن نزين موائدنا بالأطعمة وفي النهاية يكون مصيرها سلال الزبالة، فنهدر كثيراً من مواردنا الاقتصادية على نمط حياة كان ضرورياً في وقت مضى، وأصبح عبئاً على اقتصاد الفرد والمجتمع في الوقت الحاضر. ودمتم.