(دونالد ترمب) هو مرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات الأميركية، هكذا تدلل نتائج الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري والتي كان آخرها يوم السبت حين حقق الرئيس السابق فوزاً كاسحاً على منافسته (نيكي هايلي) في ولاية (كارولاينا الجنوبية) والتي تعد أهم خطوة نحو تحديد المرشّح الجمهوري. فوز (ترمب) بالانتخابات التمهيدية، واحتمالية فوزه بالانتخابات الأميركية دفعت مراكز الفكر والمؤسسات البحثية إلى نشر تقارير تحليلية عن تأثير هذا الفوز على العالم في قطاعات عديدة، والكثير من هذه التقارير متشائمة من تولي (ترمب) ولاية ثانية، مستدلين بسياساته في الولاية الأولى، فما هي أبرز هذه التحليلات؟ ولماذا هذا التشاؤم؟
(اسألوا الصين)، هذه إحدى أشهر الجمل التي قالها (ترمب) إبان ولايته في رد على سؤال حول جائحة كورونا، ولذلك فإن العلاقة مع الصين هي أكثر المواضيع تداولاً في تقارير (ترمب 2.0) كما سمّيت. وتساءل المحللون عن إمكانية بدء حرب اقتصادية جديدة مع الصين، لا سيما أن صحيفة (واشنطن بوست) ذكرت أن (ترمب) يفكر في فرض تعرفة جمركية على السلع الصينية تصل إلى 60 في المائة. وهذا الرقم غير محتمل على الأرجح، فالتعرفة السابقة التي فُرضت في الفترة الأولى كانت 25 في المائة، وتسببت في آثار اقتصادية سلبية كبيرة، فكيف إذا ما زاد هذا الرقم إلى أكثر من الضعف؟
وعند الحديث عن الصين وأميركا، ينبغي الإدراك أن الحرب الاقتصادية لم تقف بعد انتهاء حقبة (ترمب) الأولى، فكيف لها أن تبدأ وهي لم تنتهِ؟ فالرئيس (بايدن) واصل ما بدأه (ترمب)، بل وفرض قيوداً اقتصادية جديدة، معظمها في الجانب التقني الذي لم يغفله سابقه كذلك، لا سيما حين منع استحواذ الشركات الصينية على الشركات الأميركية. والرئيس الحالي قد يُضر بالصين اقتصادياً في الأشهر القادمة بسبب تبادلها التجاري مع روسيا، والذي يراه الرئيس الحالي معيناً لروسيا في حربها ضد أوكرانيا. والخلاصة هنا أن (ترمب) إذا تولى الرئاسة، فقد تبدأ هذه الحرب فصلاً جديداً على الأكثر، ولكنها لن تكون حرباً جديدة ولا سياسة أميركية جديدة تجاه الصين.
وما فعله (ترمب) ولم يفعله (بايدن) هو استهداف الاتحاد الأوروبي بالتعرفة الجمركية والضغوطات الاقتصادية، فالأخير عامل الأوروبيين كحلفاء، فلم يستهدفهم – بشكل ظاهر على الأقل – في سياساته الاقتصادية. ولكنه استحدث سياسة لم يكن ليستحدثها (ترمب)، وهي منافسة الأوروبيين في الاستثمارات الخضراء، فالرئيس الحالي دفع بـ(قانون خفض التضخم) والذي خصص حوافز اقتربت من 370 مليار دولار للمشاريع الخضراء التي ترمي إلى تحقيق الأهداف المناخية الأميركية، هذه الحوافز زادت جاذبية الاستثمار الأخضر في الولايات المتحدة، وجعلتها منافساً مباشراً لأوروبا في هذه الاستثمارات، وبالفعل نقلت العديد من الشركات مقراتها وعملياتها من أوروبا إلى أميركا بفضل هذا القانون، وبالطبع لم يكن (ترمب) لينافس الأوروبيين في هذا المجال، وهو الذي انسحب من اتفاقية باريس المناخية بعد أشهر من توليه الرئاسة.
ومن الصعب إغفال الانتماءات السياسية في تحليل أثر فوز (ترمب) بفترة رئاسية ثانية، فالمتشائمون قد ينتمون للحزب الديمقراطي المنافس، أو من مؤسسات أوروبية تريد أن يكون الرئيس الأميركي على وفاق مع القيادات الأوروبية، لا صاحِب مواقف صدامية كما كان (ترمب) من قبل، لا سيما أن (ترمب) له موقف عنيف تجاه حلف شمال الأطلسي الذي تعد الولايات المتحدة أكبر ممول له، وفي وقت يواجه فيه الغرب (روسيا)، فإن الصف الغربي الموحّد أمام (روسيا) ضرورة لا يمكن المساس بها.
إن أكثر ما قد يؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي في حال فوز (ترمب) هو ارتفاع حالة عدم اليقين في الأسواق، فالرئيس السابق كان يحرك الأسواق بكلمات قليلة على منصة (إكس)، وهذا بكل تأكيد ما لا يريده المستثمرون الذين يبحثون عن أسواق مستقرة. ويجب ألا ننسى أن سياسات الرئيس السابق كما أثرت سلباً على دول، فإنها أثرت إيجاباً على الولايات المتحدة بانخفاض نسب البطالة، وعلى دول آسيوية كثيرة بانتقال العديد من الصناعات من الصين إليها، وعلى أسواق الطاقة العالمية بالاستقرار بعيداً عن الحرب على مصادر الطاقة التقليدية. وهو – بجرأته المعهودة – فتح ملفات مهمة لم تتطرق لها دول عديدة، مثل عدم مناسبة لوائح منظمة التجارة العالمية لوضع العالم الحالي، وضرورة إعادة صياغة العديد من الاتفاقيات العالمية، والأهم من ذلك، أنه فتّح أعين الكثيرين على ضرورة تنويع العلاقات الاقتصادية، وعدم الاعتماد على الولايات المتحدة وحدها، وهو أمر قد لا يكون في مصلحة الأميركيين، ولكنه في مصلحة العالم.