عادل درويش
صحافي معتمد في مجلس العموم البريطاني، وخبرة 55 عاماً في صحف «فليت ستريت». وكمراسل غطى أزمات وحروب الشرق الأوسط وأفريقيا. مؤرخ نشرت له ستة كتب بالإنجليزية، وترجمت للغات أخرى، عن حربي الخليج، و«حروب المياه»؛ أحدثها «الإسكندرية ، وداعاً: 1939-1960».
TT

بين السياسة الخارجية والسياسة الداخلية

مجلس العموم ناقش الأربعاء «Motion» (حراك لصياغة يتبناها البرلمان تستهدف تعديل سياسة حالية)، قدمها الحزب القومي الأسكوتلندي تطالب بوقف إطلاق النار في غزة. حزب العمال يتقدم بتعديل بإضافة الأسباب الإنسانية، والظهور بشكل حيادي؛ كما قدمت الحكومة تعديلاً آخر هو صياغة مخففة من سياستها الرسمية.

في الدورة البرلمانية ما يعرف بـ«أيام المعارضة»، لمنحها فرصة التقدم بمشروعات قوانين للتوازن، فجدول الأعمال يتحدد بمشاركة مكتب رئيس المجلس السير ليندزاي هويل لزعيم الأغلبية (أو قائد المجلس، بمنصب وزير، تشغله بينولوبي موردانت، وهي رئيسة المجلس الاستشاري للملك).

الأربعاء كان يوم القوميين الأسكوتلنديين، ووفق السوابق البرلمانية لا يتقدم حزب معارض آخر بتعديل على الـ«motion»، بل ينتظر دوره في يوم معارضة آخر، وإذا حدث لا يدرجه رئيس البرلمان على الأجندة اليومية، ويكتفي بالتعديل المقدم من الحكومة.

حسب الإجرائيات المعتادة، تستمر مجادلات الـ«motion» (الحراك) المقدمة حتى المساء، فيضع رئيس الجلسة «الحراك» للتصويت كما هو بلا تعديل. وبعد التصويت (بالقبول أو الرفض)، يطرح رئيس الجلسة التعديل المقدم (من الحكومة) للتصويت.

في خروج عن مسار الإجراءات البرلمانية المألوفة، أدرج رئيس البرلمان تعديل حزب العمال المعارض على أجندة العمل البرلماني في يوم مخصص للقوميين الأسكوتلنديين بجانب التعديل المقدم من الحكومة. ومما زاد طين الخلاف بلة أن زعيم حزب العمال ومستشارته السياسية، وحامل الكرباج (الاسم الرمزي لمسؤول الانضباط في الحزب البرلماني)، اجتمعوا برئيس البرلمان قبل الجلسة، ملحين عليه إدراج تعديلهم للمناقشة بحجة منح أكبر عدد من النواب التعبير عن موقفهم من الناحية الإنسانية مع المتضررين من مأساة الحرب الدائرة في غزة. كما بعث مراسل من «بي بي سي» بتغريدة «تويتر» تشير إلى ما فسر على أنه ابتزاز حزب العمال لرئيس البرلمان، بتهديده، بمنع نوابهم من تجديد رئاسته في حالة فوزهم بالأغلبية في الانتخابات، كما هو متوقع.

جلسة مناقشة «حراك» غزة التي ترأستها نائبة رئيس البرلمان، انتهت بسحب المحافظين تعديلهم (رفض المشاركة في صياغة القرار) وانسحاب غالبية نواب المحافظين والقوميين الأسكوتلنديين من الجلسة، وجمع توقيعات لسحب الثقة من رئيس البرلمان.

القوميون الأسكوتلنديون قدموا الأربعاء حراكين (2 motions)؛ واحدة عن ميزانيات الطاقة الخضراء، والأخرى بشأن غزة. الأخيرة تبدو، ظاهرياً، سياسة خارجية، وكذا تعديل «العمال»، لكنها سياسة محلية لا علاقة لها بادعاء تأييد سكان غزة (الأسكوتلنديون) أو تحريك السلام (العمال). الحزب القومي الأسكوتلندي (الحاكم) الذي تتراجع شعبيته، أراد نصب فخ للعمال الذين يهددون أغلبيتهم في الدوائر الأسكوتلندية.

زعيم العمال، السير كيير ستارمر، متردد في اتخاذ القرارات، وغير ثابت حيث يغير مواقفه، مثل تغييره سياسة العمال تجاه ميزانية الطاقة الخضراء.

في تصويت آخر سابق بشأن مبادرة لوقف إطلاق النار في غزة، تمرد العشرات من نواب العمال (خصوصاً المسلمين واليساريين، ونواب دوائر بها نشطاء يدعمون الفلسطينيين) على زعامة الحزب وصوتوا ضد تعليمات الحزب، واستقال عدد من وزراء حكومة الظل لخروجهم عن السياسة الرسمية للحزب.

تعليمات زعامة العمال للنواب يوم الأربعاء، كانت بعدم التصويت لحراك (motion) القومي الأسكوتلندي، وليس سراً أن العشرات من نواب العمال (تقريباً النصف) كانوا سيشقون عصا الطاعة على زعيمهم ستارمر ويصوتون مع حراك الأسكوتلنديين، لو كانت الجلسة تمت حسب التقاليد المتبعة؛ مما كان سيظهره زعيماً ضعيفاً ويظهر «العمال» حزباً غير منضبط أمام الرأي العام والناخب، بينما يجذب القومي الأسكوتلندي العشرات من النواب لقبول صياغتهم قرار غزة.

الحكومة، احتجاجاً على الترتيبات، سحبت تعديلها من جدول الجلسة، أي لا تصويت عليه، أملاً بأن أغلبيتهم ستمكنهم من رفض كل من الحراك الأصلي وتعديل العمال.

نائبة الرئيس وضعت تعديل العمال للتصويت أولاً، قبل الحراك الأسكوتلندي. التصويت المعتاد هو بالصياح «aye» (نعم)، أو «No» (لا)، وإذا تقاربت أصوات الصائحين من الجانبين عددياً، يعلن رئيس الجلسة «الانقسام». تصويت الانقسام بمرور النواب في ردهة «نعم» أو ردهة «لا».

نواب العمال استمروا في الصياح «نعم Aye» لـ50 ثانية، فلم تتمكن رئيسة الجلسة من سماع أصوات أصحاب «لا»، فأعلنت فوز «نعم» بلا إجرائيات الانقسام وتبني البرلمان لتعديل العمال، الذي حل محل حراك الأسكوتلنديين (انسحبوا احتجاجاً) ولم يصوت أحد على حراكهم. الخلاصة استغل ستارمر حسن نية رئيس البرلمان، فاختطف العمال اليوم المخصص للأسكوتلنديين في «انقلاب برلماني».

يمكن لستيفين فلين، زعيم القوميين الأسكوتلنديين، أن يطلب من رئيس البرلمان، تخصيص يوم بديل لإعادة تقديم الحراك، وبالطبع سيوافق، لكن اليوم الجديد سيقتطع من أيام الحكومة، ومن ثم يتطلب الأمر موافقة قائدة المجلس، السيدة موردانت، وغالباً ستوافق لرغبة المحافظين إنقاذ السير ليندزاي هويل من ورطة الانقلاب البرلماني.