علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

الادخار مرة أخرى

استمع إلى المقالة

دائماً ما يُتهم معظم العرب بأنهم لا يدخرون من دخولهم، فهل صحيح أن معظم العرب لا يعرفون الادخار؟ هذا سؤال تحتاج إجابته إلى كثير من التروي، فالعرب يعرفون الادخار وكل على طريقته، فبعضهم يدخر عبر شراء الذهب، والبعض يدخر عبر شراء العملات الأجنبية، وقبل ظهور ماكينات الصرف الآلي كان البعض يضع بعضاً من العملة المحلية في منزله تحسباً لأي طارئ، خصوصاً وقت إغلاق البنوك بعد انتهاء أعمالها، وخصوصاً في إجازة نهاية الأسبوع التي تستمر يومين.

وما يجعلهم يفعلون ذلك سببان؛ الأول هو البعد العقائدي، فبعض العرب يرى أن الفائدة البنكية حرام؛ لذلك فإن وجود بعض من ماله لديه في المنزل لا يفرق عن وجوده في البنك فتجدهم يحتفظون بجزءٍ من أموالهم في البنوك، والبعض الآخر لديه مخاوف من البنوك المحلية ومن تغير الأنظمة، خصوصاً أنهم يرون ما يحدث في بعض الدول العربية من عدم مقدرة المودعين على سحب أموالهم من البنوك، خصوصاً إذا كان الحساب بالعملة الأجنبية كالدولار مثلاً، فبعض البنوك في الدول العربية فرضت عدم سحب المودع أكثر من 200 دولار يومياً بدعوى الحفاظ على النقد الأجنبي في البنوك؛ ما يجعل المودعين دائماً حذرين من إيداع كل أموالهم في البنوك.

هنا يبرز سؤال: ما أضرار ادخار المال في المنازل على الاقتصاد الوطني؟ أول هذه الأضرار أن هذه الأموال الموجودة في المنازل تكون خارج ودائع البنوك المحلية؛ ما يعوق البنوك عن الإقراض والتمويل، لا سيما أن الإقراض والتمويل مهمة البنوك الرئيسية، ومن خلالهما تأتي معظم أرباح البنوك، كما أن كثرة الودائع تجعل البنوك قادرة على أداء مهامها اليومية مثل مواجهة السحوبات اليومية، ومن المعروف أن البنك الذي تقل سيولته لأي سبب يستدين من بنك آخر تتوافر لديه السيولة ليتمكن من أداء مهامه اليومية.

لذلك وجب على البنوك أن تجعل عملاءها يثقون بها عبر طرق عدة، منها وضوح القوانين المنظِّمة بين البنك والعميل، وجعل المودع يطمئن أنه قادر على الوصول لوديعته في أي وقت.

وأنا أتذكر أنه في حرب الخليج الثانية، أو ما يعرف بـ«غزو الكويت»، توجَّه بعض السعوديين للبنوك المحلية، وبعضهم قام بسحب وديعته، والبعض استبدل الدولار بالريال، ولم يجد المودعون أي مشكلة في سحب ودائعهم أو استبدال الدولار بها، بل بالعكس، قام البنك المركزي السعودي بتوفير الدولار للبنوك لمواجهة السحوبات النقدية؛ ما دعا السعوديين لإعادة الأموال للبنوك مرة أخرى بعد بضعة أيام عندما رأوا أنه لا مشكلة لدى البنوك في تأمين سحوباتهم.

ذكرت أن الادخار المنزلي يضر بالاقتصاد، ومن المعروف أن من يدخرون منزلياً في معظمهم من الطبقة الوسطى، وكذلك بعض من الأغنياء، الأمر الذي يقلل الودائع لدى البنوك، ويضر بقدرتها الإقراضية للشركات التي تُنشئ المشاريع الخالقة للوظائف.

لذلك ابتكرت السعودية مشروعاً ادخارياً للأفراد أطلقت عليه اسم «صح» راعت به أمريْن، احترام البعد العقائدي للأفراد؛ إذ إنه متوافق مع الشريعة الإسلامية، الأمر الآخر هو أنه يستهدف الطبقة المتوسطة، إذ إن حده الأعلى 200 ألف ريال، أما الأمر الثالث فهو إمكانية كسر الوديعة في أي وقت، فهل سنرى ارتفاع ودائع البنوك السعودية للعام الحالي نتيجة جلب الأموال من المنزل إلى البنوك من خلال هذا البرنامج؟ سننتظر ونرى؛ لنتمكن من تقييم نجاح البرنامج بعد التجربة. ودمتم.