بندر بن عبد الرحمن بن معمر
كاتب وباحث سعودي مهتم بالتاريخ، له مؤلفات مطبوعة ومقالات وبحوث منشورة. وهو أيضًا رجل أعمال وعضو مجلس إدارة عدد من الشركات، ومستشار لعدة جهات وهيئات.
TT

السعودية والكويت... إطلالة على التاريخ

خلافاً لما هو معلوم من أنَّ الإمام عبد الرحمن انتقل مع أسرته للاستقرار في الكويت بعد ضعف الدولة السعودية الثانية، فإنَّ العلاقات بين الكويت والدولة السعودية تعود إلى أبعد من ذلك التاريخ بكثير؛ فمنذ منتصف القرن الثاني عشر الهجري – السابع عشر الميلادي كانت الكويت مقصداً للنجديين سواء التجار منهم لشراء البضائع التي ترد إلى مينائها من الهند وغيرها، أو أولئك الباحثين عن الرزق. وتشير المصادر التاريخية إلى أنَّ الاتصالات الرسمية بدأت بين حاكم الكويت الثاني الشيخ عبد الله بن صباح (ت 1814م) وقادة الدولة السعودية الأولى، وكانت في بداياتها علاقة ودية، إلَّا أنَّها مرَّت بتوترات؛ الأمر الذي يتطلَّب تجلية وتحليلاً وفهماً لسياقاتها التاريخية، ويذكر المؤرخ السعودي الدكتور عبد الله الصالح العثيمين أنَّ بعض جوانب تاريخ العلاقات بين الدولة السعودية الأولى والكويت «... بعض الآراء التي كتبها عرضاً عدد من الباحثين عنها يحتاج إلى تدقيق وإعادة نظر».

أمَّا العلاقات الدبلوماسية، فبدأت مع الدولة السعودية الثانية؛ إذ عيّن الإمام فيصل بن تركي نحو عام 1851م وكيلاً له في الكويت، وفقاً للمؤرخ والدبلوماسي البريطاني جون غوردن لوريمر، في موسوعته «دليل الخليج»، إلَّا أنَّ أستاذ التاريخ السعودي الدكتور محمد بن سليمان الخضيري يعلق: «لم نعثر على اسم ذلك الوكيل في المصادر النجدية أو الكويتية المتوفرة».

ولنفهم تلك العلاقات الممتدة لما يقرب من 250 عاماً، التي مرَّت بمراحلَ وتحولات وفقاً للظروف لكن أساسها متين، إضافة إلى أنَّ أصول حكام الكويت وكثير من سكانها تعود إلى منطقة نجد، كل ذلك جعل الصلات التاريخية «من العمق والرسوخ بحيث لا تكاد تساويها؛ ناهيك بأن تتفوَّق عليها، أية صلات بين قطرين عربيين»، وفقًا للعثيمين.

وبعد استرداد الملك عبد العزيز للرياض انطلاقاً من الكويت، تطوَّرت العلاقات في أكثر من اتجاه، وسأتوقف هنا عند بعض المحطات المهمة في تاريخها؛ فعندما أذاع الملك غازي ملك العراق أنَّ مشيخة الكويت جزء من العراق وحشدَ قواته استنجد الشيخ أحمد الجابر بالملك عبد العزيز، فأبلغ الملك القنصل البريطاني في جدة، السير ريدر بولارد، أنَّه سيتدخل في القضية ما لم يتراجع العراق ويسحب قواته من الحدود، وبالفعل تراجع غازي، وكان ذلك عام 1938م.

وفي عام 1961م، طالَب رئيس العراق آنذاك، عبد الكريم قاسم، بضم الكويت بعيد استقلالها، فأبرق الشيخ عبد الله السالم للملك سعود، فكانت قوات الجيش السعودي أول القوات وصولاً للدفاع عن الكويت، وقاد الملك سعود حملة دبلوماسية أسفرت عن انضمام الكويت للجامعة العربية تأكيداً على استقلالها.

وفي عام 1968م، أعلنت بريطانيا عزمَها الانسحاب من الخليج، فأعلن الملك فيصل أنَّ الدول العربية في الخليج هي المسؤولة عن حفظ أمنه، وكثَّف الاتصالات مع الولايات المتحدة لمعالجة آثار الانسحاب البريطاني، ونسَّق مع أمير الكويت الشيخ صباح السالم على دعم إمارات الخليج مادياً وعسكرياً وتشجيعها على الاتحاد، وشُكل في عام 1971م وفد سعودي - كويتي مشترك لتقريب وجهات النظر لقيام الاتحاد. كان الوفد برئاسة المستشار الخاص للملك فيصل، الأمير نواف بن عبد العزيز، ووزير خارجية الكويت الشيخ صباح الأحمد، ووكيل الخارجية السعودية محمد إبراهيم مسعود.

وفي عهد الملك خالد دعمت المملكة والكويت قيامَ «مجلس التعاون لدول الخليج العربية» الذي أُعلن عن تأسيسه عام 1981م، وجاء غزو العراق للكويت، عام 1990م، بوصفه أكبر التحديات للمجلس، وكان للموقف الشجاع للملك فهد؛ بالدفاع عن الكويت وتشكيل التحالف الدولي لتحريرها، وجعل عاصمته الصيفية (الطائف) مقراً لأمير وحكومة الكويت، وبعد التحرير استمرت المملكة حريصة على استقرار الكويت وتقدمها، وتوالت تطورات العلاقة في أكثر من اتجاه.

ولخَّص الشيخ جابر الأحمد، في كلمته أمام قادة دول «مجلس التعاون» في قمتهم الثانية عشرة التي عُقِدت بالكويت، خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) 1991م، عمقَ العلاقة التاريخية والمصير المشترك، بقوله: «إنَّ هذا الاجتماع على أرض الكويت قد تحقق، بفضل الله أولاً، ثم بفضل أخي الملك فهد وإخوانه وشعبه الشقيق الذي وقف معنا وقفة مبدئية، والتضحيات الكبرى التي تحملوها، معرِّضين بلدهم لمخاطر كبرى في سبيل عودة الحق الكويتي...».

وهنا أودُّ التأكيد على تجاوز قادة البلدَيْن كثيراً من الملفات، بسبب عمق الصلات وتفهُّم وجهات النظر حولها، والتقدير العميق والمتبادل بين ملوك المملكة العربية السعودية وأمراء الكويت؛ ذلك التقدير والحب الممتدان بين أسرتَي الحكم في البلدين وشعبيهما الشقيقين، ولا أدلَّ على ذلك مما قاله أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد لأخيه الملك عبد الله أثناء لقائهما في الرياض، شهر مارس (آذار) 2006م؛ ففي ذلك اللقاء الذي حضره الملك سلمان والشيخ مشعل الأحمد والشيخ محمد صباح السالم، قال الشيخ صباح بعد أن قلّده الملك عبد الله «قلادة الملك عبد العزيز»: «ترى السعودية هي أمنا وخل يسمع كل واحد...».

وحينما استهدفت المنطقة بمخططات الفوضى الخلاقة وما تلاها، سعت المملكة العربية السعودية، بقيادة الملك عبد الله، مع الكويت، بقيادة الشيخ صباح، وباقي دول الخليج العربية إلى اتقاء آثار تلك المخططات وتجنيب المنطقة تداعياتها، وشاركت الكويت ضمن «قوات درع الجزيرة»، بقيادة السعودية، لحفظ الأمن والاستقرار في البحرين عام 2011م.

وتأكيداً على حرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وأمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد، على تعميق واستدامة العلاقات، وقَّع وزيرا خارجية البلدين، يوم 18 يوليو (تموز) 2018م، على محضر إنشاء «مجلس التنسيق السعودي - الكويتي» لتعزيز التعاون والتكامل بين الرياض والكويت في جميع المجالات.

وخلال استقبال الشيخ نواف الأحمد للأمير محمد بن سلمان، في شهر ديسمبر 2023م، وبحضور الشيخ مشعل الأحمد، قدَّم له «قلادة مبارك الكبير» و«وسام الكويت»، ودار خلال اللقاء حوار ينمّ عن عمق العلاقة التاريخية بين البلدين.

ويبقى التأكيد أن الكويت كانت دوماً إلى جانب المملكة العربية السعودية، وهذا ما لا تنساه القيادة السعودية.

يروي رئيس «مجلس الأمة» السابق، مرزوق الغانم، أنَّه حينما قابل الأمير محمد بن سلمان لحل ملف المنطقة المقسومة، قال له الأمير: «سأكون كويتياً سعودياً قبل أن أكونَ سعوديا كويتياً، وكثير من الأمور حسمها الأمير بقرار جريء وشجاع»، أنهت كثيراً من المشاكل المعلقة منذ سنوات. ويضيف الغانم أنه حينما لمح أحد المسؤولين السعوديين أثناء مناقشة الموضوع إلى تحمُّل المملكة أعباء كبيرة تتعلَّق بالجانب النفطي أثناء الغزو، قاطعه الأمير محمد قائلاً: «لا تلمح بأي شيء؛ إذا احنا وقفنا مع الكويت أيام الغزو فالملك عبد العزيز طلع من الكويت علشان تصير السعودية اللي تشوفونها اليوم».

هذا النموذج في العلاقات الأخوية قبل السياسية أحد مفاتيح فهم ما يربط السعودية بالكويت، وما يُفترض أن تُقرأ من خلاله زيارة الشيخ مشعل للرياض في أول زيارة رسمية له منذ توليه مسند الإمارة في شهر ديسمبر 2023م.

ووفقاً لمعطيات عدة، أتوقع انطلاقة غير مسبوقة في العلاقات السعودية - الكويتية وتكاملاً أكبر، خصوصاً في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية.