كفاح محمود
TT

تحديات الأمن والنماء في إقليم كردستان

استمع إلى المقالة

واحد من أهم التحديات التي واجهت إقليم كردستان هو استثمار الثروات الطبيعية، خاصة أن الدستور الفيدرالي منح الإقليم تلك الخاصية بالتعاون مع الحكومة العراقية الاتحادية، وفي السنوات الأولى بعد 2003 حاولت حكومة الإقليم بالتعاون مع حكومة بغداد كتابة مسوَّدة لقانون النفط والغاز ينظم تلك العلاقة ويمنح الإقليم حرية العمل بتلك الثروات، وبعد مداولات عديدة تم تقديم مشروع القانون إلى البرلمان العراقي يختلف عن المسودة التي كتبت من قِبل الإقليم وبغداد مما دفع كتلة الإقليم في البرلمان إلى الاعتراض على تشريعه بتلك الصيغة التي لم يؤخذ فقيهاً رأي الإقليم، والتي اعتبرها تتقاطع مع روحية الدستور والنظام الفيدرالي، وهكذا تم ركن المشروع على رفوف مجلس النواب بعد الاتفاق بين بغداد والإقليم على منح الإقليم حرية التصرف لحين تشريع القانون في 2007، وهذا ما دفع الإقليم بالبدء في التنقيب والتعامل مع شركات نفطية أميركية وأوروبية كبيرة لاستخراج النفط، ثم مد أنبوب استراتيجي من تلك الحقول إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط لتصدير نفط كردستان الذي بدأ في 2014، بعد أن قطعت حكومة المالكي حصة إقليم كردستان من الموازنة، وفرضت حصاراً اقتصادياً استخدمت فيه المحاكم الدولية من خلال تقديم شكاوى، وتهديد الشركات التي تعمل في الإقليم أو التي تشتري النفط المنتج في حقوله.

ورغم كل تلك الضغوطات نجحت حكومة الإقليم في تطوير حقولها النفطية والغازية بالتعاون مع شركات عالمية رصينة مثل شركة إكسون موبيل وشركة شيفرون الأميركيتين، والشركة الروسية روس نفط ودانة غاز الإماراتية وعشرات الشركات الأوروبية الكبيرة في مقدمتها توتال الفرنسية، ناهيك عن العشرات من شركات التسويق التي نجحت فيها حكومة الإقليم لإيجاد أسواق لنفطها المستخرج، مما جعلها أكثر صلابة في مواجهة تلك الضغوطات التي تضاعفت بظهور منظمة ما يسمى تنظيم «داعش» وهجومها على الإقليم من عدة محاور، كان أخطرها محور مخمور أربيل عاصمة الإقليم ومحور سنجار ومحور سهل نينوى دهوك، حيث دارت فيها معارك طاحنة بين قوات البيشمركة وقوات تنظيم «داعش» التي كانت قد استحوذت على أحدث الأسلحة الأميركية التي سيطرت عليها في معسكرات ومخازن الموصل والرمادي وتكريت، ورغم المقاومة الشديدة لتلك القوات التي هددت عاصمة الإقليم، فإن تنظيم «داعش» نجح في احتلال مدينة سنجار وأحدث فيها واحدة من أكبر الكوارث بعد الحرب العالمية الثانية بحق الأقلية الدينية الإيزيدية، ناهيك عن سيطرته على أجزاء مهمة من سهل نينوى.

كل هذا حصل ولم تساعد الحكومة الاتحادية قوات البيشمركة لا بالسلاح ولا بالعتاد ولا بالمرتبات، بل حصل أن صادرت أو عطلت إيصال شحنات من الأسلحة المقدمة من ألمانيا وأميركا وبريطانيا وهولندا ودول أخرى في محاولة لإنهاء وجود الإقليم أو على الأقل إضعافه، حيث استمرت حكومة المالكي وبعده العبادي في حرمان الإقليم من حصته بالموازنة السنوية لخمس سنوات متوالية 2014 – 2018، والبالغة أكثر من 45 مليار دولار، لا يعرف أحد أين ذهبت تلك الأموال الهائلة.

هذا الحصار والسلوك الاستفزازي وعرقلة تطبيق المادة 140 من الدستور، الخاصة بحل مشاكل وتبعية المناطق التي تعرضت للتغيير الديموغرافي إبان النظام السابق، ناهيك عن الإصرار على عدم إجراء التعداد العام للسكان لاعتماد الكثافة النسبية في تخصيص حصة الإقليم من الموازنة، والانتهاء من وضع النسبة على أساس التخمينات غير الدقيقة والتي تتعرض هي الأخرى للضغوط السياسية، ناهيك عن إهمال قوات حرس الإقليم (البيشمركة) وعدم شمولها بامتيازات القوات المسلحة، رغم أن الدستور اعتبرها جزءاً مهماً من المنظومة العسكرية العراقية، في الوقت الذي أنشأت فيه الأحزاب الشيعية ميليشيات وفصائل مسلحة وجمعتها في مؤسسة أطلق عليها اسم «الحشد الشعبي»، على غرار «الحرس الثوري» الإيراني، حيث رصدت لها ميزانية لا تقل عن ملياري دولار سنوياً، ناهيك عن تسليحها بأحدث الأسلحة من موازنة الدولة العراقية، كل ذلك مع العشرات من الخروقات الدستورية والقانونية دفعت الإقليم إلى إجراء الاستفتاء في 25 سبتمبر (أيلول) 2017، بعد أن عجزت كل السبل في حل العقد مع حكومة بغداد، علماً بأن حكومة الإقليم والقيادة الكردية أبلغتا حكومة بغداد والأحزاب السياسية وكتلها وقياداتها، وقبل سنوات ولعدة مرات، الإقليمَ بأنه إن لم تتوقف تلك الإجراءات وحل الإشكاليات حسب الدستور، فإنهما ستلجآن إلى الشارع الكردي لاستبيان رأيه حول هذا الوضع، ولم تأبه بغداد بتلك التحذيرات بل حصل العكس وتضاعفت الضغوطات في محاولة لتقزيم الإقليم، وإعادة النظام المركزي، وتكثيف السلطات في بغداد، وبأيدي الغالبية السياسية الشيعية التي لا تؤمن بالنظام الفيدرالي، وتطمح إلى مركزية النظام وشموليته تحت قيادة المكون الشيعي مع بعض الإكسسوارات السياسية التي لا تمتلك القرار، وجعلها واجهة تجميلية كما كانت تفعل الأنظمة السياسية التي حكمت العراق منذ 1958 وحتى يومنا هذا. وللحديث بقية.