استهدفت آخر العمليات العسكرية الإسرائيلية مقراً أمنياً في العاصمة السورية، اجتمع فيه أمنيون وعسكريون إيرانيون وأقرانهم من سوريين يمثلون نظام الأسد ولبنانيون من «حزب الله» وعراقيون من «الحشد الشعبي»، ورغم عدم إعلان النتائج الكاملة حول قتلى العملية الإسرائيلية، فإنَّ ما تم كشفه، أكد مقتل خمسة من كبار الضباط الإيرانيين، مما يدلل على أنها ضربة تصعيدية هدفها النواة الأمنية الإيرانية وأقرانها من حلفاء طهران وأدواتها، وهذه أبرز سمات العملية، والتي تشمل أيضاً جزءاً من خط عمليات سار الإسرائيليون فيه، ومستمرون في القيام به ضد أهداف إيرانية، وأخرى تتبع نظام الأسد، وميليشيات إيران من «حزب الله» والفصائل العراقية، وكلها جزء من مسار استخدام إسرائيل القوة مع إيران وشبكة حلفائها وأدواتها في المنطقة، وفيه قامت إسرائيل بضرب أهداف عسكرية وأمنية داخل إيران، وأهداف لنظام دمشق في سوريا، كما هاجمت أهداف تتبع «حزب الله» حليف إيران وأداتها في لبنان، وتنفذ في إطاره مذبحة شاملة مستمرة منذ ثلاثة أشهر ضد نحو مليوني ونصف مليون فلسطيني في قطاع غزة تحت شعار محاربة «حماس»، الحليف والأداة الرئيسية لإيران في فلسطين.
حصلت عملية إسرائيل الأخيرة في المنطقة الأمنية بدمشق، والتي توجد فيها مقرات عسكرية وأمنية ذات أهمية، إضافة إلى السفارات والبعثات الدبلوماسية، وكانت تعبيراً عن خرق أمني واضح، مما يطرح موضوع الطرف الثالث الذي وفَّر للإسرائيليين المعلومات الأساسية، وعزز قدرتهم على تنفيذ عمليتهم بسهولة، وتحقيق هدفهم في تصفية المشاركين بالاجتماع.
وساعد الرد الباهت للحكومة الإيرانية على العملية على بروز موقف إيراني يحمل المسؤولية عنها إلى أطراف أخرى، أساسه القول إن روسيا لعبت دور الطرف الثالث، وشاركت شخصيات إيرانية عامة في ترويج الاتهام على وسائل التواصل الاجتماعي من أوساط محسوبة على التيارين الرئيسيين: تيار المحافظين وتيار الإصلاحيين، وكلاهما دعا لتأكيد مسؤولية روسيا باعتبارها القوة التي يفترض أن تحمي وجود حلفائها الإيرانيين.
ولا يحتاج إلى تأكيد أن هذه الإشارات بعيدة عن المنطق وعن الواقع أيضاً؛ لأن الحقيقة تقول إنَّ الإيرانيين يملكون قدرات في الدفاع الجوي موجودة في سوريا، ومثلهم سلطة الأسد لديها مثل تلك القدرات، وإن كانت الأولى لم تستعمل دفاعاتها على مدار سنوات العقد الماضية لصدّ الهجمات الإسرائيلية، فإنَّ الثانية لم تستخدمها إلا نادراً رغم الطابع التدميري والدموي لهجمات إسرائيل، التي دأبت على تدمير المطارات وإخراجها من الخدمة في دمشق وحلب، ومن الطبيعي إذ لم يستخدم الطرفان دفاعاتهما الجوية لحماية مواقعهم، ألا يقوم الروس باستخدام دفاعاتهم للمهمة ذاتها.
ويؤكد الواقع أن روسيا منذ تدخلها قبل نحو عشر سنوات، لم تقم بأي عمليات حماية جوية في سوريا، واعتبرت تدخلات إسرائيل وعملياتها هناك خارج نطاق اهتماماتها، وذهب الطرفان الروسي والإسرائيلي منذ البداية إلى إقامة خط اتصال ساخن بينهما بشكل علني، يكفل تفادي أي تماس أو مواجهة بينهما في خطوة تكرس حقيقة العلاقات المميزة بين الطرفين.
أما إذا كان المطلوب من روسيا القيام بالحماية الاستخبارية لشركائها في سوريا، فإنَّ يد الشريكين لا تقل حضوراً وتوغلاً في الواقع السوري، وحضورها قائم عبر أجهزة أمنية وجماعات منظمة ومسلحة على شكل عصابات آيديولوجية وطائفية، وتتوفر لديها كل التقنيات التي تسهل قيامها بأعمالها في التجسس والقمع.
إنَّ محاولة إلصاق تهمة الطرف الثالث بالروس على نحو ما جرى، إنَّما كانت تستند إلى خلفية سياسية، جوهرها أنَّ روسيا طرف منافس لإيران في سوريا، وبالتالي فإنَّ من الطبيعي أن تسكتَ عن أي عملية إسرائيلية تضعف إيران، أو أن تساعدَ في تنفيذها، لكن الروس كانوا أبعدَ من غيرهم عن القيام بدور الطرف الثالث، لأنَّهم لم يكونوا مشاركين في لقاء المزة، ويفترض أنَّه تمَّ بعيداً عنهم ومن دون معرفتهم.
يدرك العارفون بطبيعة أطراف الحلف السوري - الروسي - الإيراني، والسياسة التي يتشاركون في ممارستها انطلاقاً من مقولة «الغاية تبرر الواسطة»، أنَّ تلك الأطراف يمكن أن تفعل أي شيء من أجل مصالحها ولو كانت صغيرة جداً، حتى وإن أصابت أقربَ المقربين إلى رأس السلطة ومثالها السوري عملية اغتيال خلية الأزمة في تفجير مكتب الأمن القومي عام 2012 بدمشق، التي قتل فيها بعض أهم أركان النظام، وبينهم العماد آصف شوكت صهر عائلة الأسد، وأحد أهم ضباط النظام.