«الدنيا مسرح كبير، والناس ما هم إلا ممثلون يؤدون أدوارهم على هذا المسرح». هذه العبارة المنسوبة لشكسبير شكّلت الركيزة الأساسية لنظرية عالم الاجتماع الأميركي إرفنغ غوفمان الذي ينظر للتفاعلات اليومية في إطار المسرح. فالناس في جميع تصرّفاتهم ممثلون و/أو متفرجون، فهم يحاولون نقل انطباعات معينة لجمهورهم من خلال تصرفاتهم، ويؤدّون أدوارهم ضمن «فريق» عمل وإن كانت الفردية ظاهرة في تصرّفاتهم. أما عن حياتهم، فهي تنحصر بين «الوقوف على الخشبة» و«الركون في الغرفة الخلفية» (غرفة الملابس والمكياج).
ويستكمل غوفمان نظرته للدور الاجتماعي بأن الفرد يركز جهده ليقنع الجماهير (الناس الذين يتعامل معهم بشكل يومي) بإتقانه لذلك الدور، وفي حال عدم توافق الدور المطلوب مع الشخصية الداخلية للفرد، فإنه يحاول تقديم الصورة التي يعتقد أن الآخرين يتوقعونها منه من أجل أن يوافق الدور المتوقع منه. تماماً كما يفعل مضيفو الطيران وموظفو الاستقبال الذين يحرصون على الابتسامة العريضة أثناء عملهم، حتى ولو كانوا يعيشون ظروفاً صعبة أو يتعاملون مع عملاء فظي الأخلاق.
واستكمالاً للرؤية المسرحية للحياة، فللنظر لتعامل البشر مع بعضهم بوصفهم جماهير، فالجماهير تهتم فقط بأداء الآخرين على خشبة المسرح، ولا تلتفت كثيراً لحالتهم في غرف الملابس والمكياج. بالمقابل، فإن الممثلين يحسون بحريتهم في الغرفة الخلفية، حيث لا جمهور يدقّق في تصرّفاتهم وهندامهم.
هنا يجادل غوفمان بأننا كلنا ممثلون على خشبة مسرح هذه الدنيا، إذ نلبس، نتحدث، نمشي، ننظر، ونبني كلّ تصرفاتنا على أساس الحدث الذي نعيشه/نمثّله. ينطبق هذا على كلّ شيء حتى في المواقف التي نعدّها بسيطة وأننا نتصرف بطبيعتنا وبتلقائية محضة!
قد يبدو هذا مثيراً للاشمئزاز في حال عدّه «نفاقاً أو تصنّعاً» ولكن غوفمان يتعامل معه من وجهة أخرى هي «الوعي».
عامّة الناس يهتمون - بمستويات مختلفة - بانطباع الآخرين حولهم على أصعدة عدة، تبدأ بالمظهر مروراً بالأحاديث والأفكار، ولا تنتهي بالمواقف. بالتالي فإن الإنسان يهتم بانطباعات من حوله، وإلا لماذا لا نخرج بملابس المنزل للعمل والمناسبات؟ ولماذا نضع قيوداً على طريقة حديثنا مع الأشخاص الذين لا تربطنا بهم صلة قوية؟ إلخ...
ولتبسيط هذه النظرية، نستعير أدوات المسرح ونتصور حياتنا اليومية:
1- الدور: لكل منا أدواره المختلفة في الحياة بحسب السياق (مثلاً: أم، طبيبة، صديقة، زوجة، أخت...).
2- السيناريو: في أغلب الأحيان يكون لدينا «وعي» بالإطار العام للطرق التي ينبغي التحدث والتصرف بها في المواقف المختلفة، وقد تصل لدقّة تشابه الشيء المحضّر المكتوب.
3- الملابس: البشر يراعون الملابس المناسبة للمواقف والمناسبات، وحتى من يحاول التمرد عليها بعدم لبس المتعارف لهذه المناسبات، فإنه يؤدي دور المتمرد، وهذا اللباس يناسب دوره.
4- خشبة المسرح والديكورات: هي الأماكن العامة والخاصة التي نعيش فيها أو نزورها.
قد نتفق أو نختلف مع غوفمان، ولكن تصوره الذي استعاره من شكسبير يشكّل وجهة نظر سوسيولوجية جديرة بالاهتمام! وليسأل كلّ منا نفسه: لأي حدّ أهتمُّ بنظرة الآخرين لي؟ وما الأمور التي أراعي نظرتهم فيها؟ ما الأمور التي تجعلني أرفض مسايرة المألوف؟ هل ما أفعله تمرد أم حق شخصي؟
