وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

ملايين البراميل الطوعية

استمع إلى المقالة

لم تفهم السوق نتيجة اجتماع منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها، ولهذا انخفضت أسعار النفط بعد انتهاء الاجتماع يوم الخميس 30 نوفمبر (تشرين الثاني).

كانت أسعار النفط بدأت في التفاعل مع تسريبات وكالات الأنباء قبل وخلال الاجتماع، حيث ذكرت كثير من الوكالات أن التحالف بقيادة السعودية وروسيا سيخفض مليون برميل يومياً كخفض جديد.

لكن بمجرد صدور بيان الاجتماع السادس والثلاثين في تاريخ المنظمة، انخفضت أسعار النفط. لماذا؟

سوق النفط والمضاربون لا يفهمون البروتوكولات الإعلامية للمنظمة. ولا يفهمون أن الدول كانت تتناقش حول تخفيضات طوعية وليست إلزامية، ولهذا لا يمكن وضعها ضمن بيان المنظمة الذي خرج هزيلاً وضعيفاً في نظر السوق.

البيان لم يأت بجديد سوى أن التحالف اتفق مع الدول الأفريقية الثلاث (أنغولا والكونغو ونيجيريا) حول حصتها الإنتاجية في اتفاق خفض الإنتاج الذي سيدخل حيز التنفيذ بدءاً من الأول من يناير (كانون الثاني).

وحتى هذه الجزئية لا تهم السوق كثيراً، لأن هذه الدول لا تستطيع الإنتاج بما يكفي، وماذا يعني أن حصة أنغولا ستصبح 1.1 مليون برميل يومياً بدلاً من 1.28 مليون برميل قبل انتهاء «رايستاد إنرجي» و«وود ماكينزي» و«آي إتش إس» من تقييم قدرتها؟

الأمر نفسه ينطبق على نيجيريا التي ستحصل على عكس أنغولا على زيادة قدرها 122 ألف برميل يوميا إلى 1.5 مليون.

بالطبع أنغولا رمت بالبيان الصحافي عرض الحائط، وقال محافظها في «أوبك» بعد الاجتماع إن بلاده لن تلتزم بهذا الرقم وستنتج 1.8 مليون برميل يومياً، في مشهد كلاسيكي لما يجري في «أوبك». وأنا هنا أشيد بموقفها، حيث لم تعلن خروجها من المنظمة والتحالف مثلما تفعل دول مثل الإكوادور في كل مرة لا تعجبها الحصة.

عموماً السوق كانت تبحث عن التخفيضات في البيان، ولكن بما أنها طوعية فهي لم تجدها، وكان على السوق الانتظار لحين تعلن الدول واحدة تلو الأخرى عن تخفيضاتها.

البداية كانت مع كازاخستان التي كانت أول دولة أعلنت عن كمية الخفض الطوعي، تلتها السعودية، ومن بعد ذلك الكويت وروسيا والإمارات وعمان والعراق والجزائر.

عموماً وصل حجم التخفيضات الطوعية إجمالا -والمعلنة كل على حدة- إلى 2.2 مليون برميل يومياً تستمر خلال ثلاثة أشهر من بداية يناير إلى نهاية مارس (آذار) من العام المقبل. هذه خطوة احترازية من التحالف للتحوط ضد هبوط الطلب في الربع الأول في نظري، ولكن محللين مثل مايكل روثمان رئيس شركة «كورنر ستون»، يرى أنها خطوة لمنع المخزونات من البناء خلال الفترة التي يضعف فيها الطلب.

السوق تجاهلت أن هناك اتفاقاً سيسري في أول يناير سيخرج نحو 3.6 مليون برميل يومياً من براميل تحالف «أوبك بلس» من السوق، وركز على بيان لم يرو غليل المضاربين.

هل نجحت «أوبك بلس» في اتفاق ملايين البراميل الطوعية؟ سنرى عما قريب. حيث ستحتاج السوق إلى دليل على أن البراميل الطوعية حقيقية وليست أرقاما للاستهلاك الإعلامي.

بالحديث عن الإعلام، كان من الأفضل تسريب اتفاق البراميل الطوعية للسوق عبر الإعلام وجعله حقيقة، ثم الخروج ببيان «أوبك» غير الواضح للسوق، وربما عقد مؤتمر صحافي لتوضيح الأمور للسوق بشكل أفضل. أعلم أن «أوبك» تشن حملة ضد التسريبات، وتحاول التحكم في كل ما يتناول في الإعلام، ولكن مرات يكون للتسريبات قيمة خاصة عندما تحافظ على دخل الدول ولا تجعل أسعار النفط تهبط.