وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

«أوبك» وصراع حصص الإنتاج

استمع إلى المقالة

عاقبت سوق النفط دول منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» وحلفاءها، إذ انخفضت أسعار النفط في نيويورك ولندن، بعدما أعلنت المنظمة تأجيل اجتماع التحالف الوزاري والاجتماعات المصاحبة له من 26 إلى 30 نوفمبر (تشرين الثاني).

وواصلت الأسعار تراجعها، بعد أن أعلنت المنظمة تغيير صيغة الاجتماع؛ من حضوري في العاصمة النمساوية فيينا، إلى افتراضي، وبذلك تتجه الأسعار إلى تراجع شهري قدره 16 في المائة.

لماذا عاقبت السوق «أوبك بلس»؟! لأن تأجيل الاجتماع كان علامة على أن التحالف يواجه خلافات داخلية تمنعه من الوصول إلى اتفاق.

ما هذه الخلافات؟ وفق عدد من التقارير الصحفية، فإن ثلاث دول أفريقية «أنغولا، الكونغو، ونيجيريا» أبدت اعتراضها على الحصص الإنتاجية التي جرى إعطاؤها إياها من قِبل التحالف، في الاتفاق الذي عُقد في اجتماع التحالف الوزاري الخامس والثلاثين في شهر يونيو (حزيران) الماضي.

لماذا اعترضت هذه الدول الثلاث في الأصل؟ في الاجتماع السابق، كان الاتفاق سينهار لو لم توافق جميع الدول المنتِجة على الحصص الجديدة التي جرى إعطاؤها إياها، والتي ستدخل حيز التنفيذ في أول أيام العام المقبل 2024.

كل الدول وافقت على حصصها الإنتاجية، ما عدا الدول الأفريقية الثلاث، والتي اعتبرت الحصص غير مُنصفة نظراً لأنها أقل من قدرتها الإنتاجية بكثير.

وبعد ماراثون مطوَّل، وافقت هذه الدول على الأرقام، بشرط أن يجري تعيين ثلاث شركات من بيوت الخبرة «آي إتش إس، وود ماكينزي، وريستاد إنرجي» لإعادة تقييم الأرقام التي تستطيع هذه الدول إنتاجها في 2024.

والآن رفضت هذه الدول الثلاث التقييم الصادر، مما استوجب تأجيل الاجتماع لحين الاتفاق معها على الأرقام النهائية، وفق ما ذكرته بعض المصادر في «أوبك».

من وجهة نظري، فإن موافقة هذه الدول أو عدمها قد تؤثر على شكل التحالف، ولكنها لن تؤثر في حقيقة الاتفاق ووضع السوق؛ لأن إنتاجها ليس مؤثراً حالياً، خصوصاً في ظل تراجعه المستمر منذ فترة بسبب عوامل كثيرة؛ من بينها نقص الاستثمارات.

لهذا فإن عقاب السوق للتحالف، من خلال خفض الأسعار، أمر مُبالَغ فيه ويدل على أن المضاربين لا يفقهون عمق السوق وحقيقة عمل التحالف وتأثير دوله الأعضاء. ما يهم في الحقيقة هو أن الدول ذات القدرة الإنتاجية العالية، مثل السعودية وروسيا والعراق والإمارات والكويت، متفقة وتعمل على خفض إنتاجها.

عموماً، الخلاف حول حصص «أوبك»، والآن «أوبك بلس»، أمر ليس بالجديد، ويعود إلى ثمانينات القرن الماضي. وكانت نيجيريا من بين الدول التي لا تلتزم بحصص الإنتاج منذ ذلك الوقت.

لا جديد إذن، وستجد السعودية وروسيا الحلول لإقناع الدول بالحصص قبل الاجتماع، أو حتى خلاله، خصوصاً أن نيجيريا التي تُعدّ أكبر منتج في القارة الأفريقية تتمتع بعلاقات سياسية قوية مع السعودية.

ومن وجهة نظري أيضاً، فإن الخلاف الحقيقي سوف يكون في منتصف العام المقبل، عندما تعود الدول كلها للتفاوض حول إنتاج 2025، والذي سيخضع لتغييرات عدة في المرجع الأساسي لقياس إنتاج الدول وتحديد حصصها.

وستجد الدول أرضية مشتركة بالأخير؛ لأن هبوط أسعار النفط هو ما سيجبرهم على فعل شيء، حتى وإن كان الرضا بالحصص صورياً وشكلياً.

بالتأكيد، هذا لا يرضي السعودية التي تنادي بالامتثال الكامل بالحصص، لكن هذه هي سُنة وطبيعة «أوبك» التي تقودها السعودية، ومن الصعب تغيير وضع مستمر لأربعين عاماً.