استطاعت إيران أن تخدع كثيراً من العرب والفلسطينيين بادعائها تبني القضية الفلسطينية، والزعم بالعمل على تحرير القدس فأنشأت «فيلق القدس»، ومثلها فعل وكلاؤها في العراق وسوريا ولبنان واليمن. اقتُرِفت مجازر ودُمرت بلاد عربية باسم تحرير القدس. اتجهت بوصلة القدس عند محور المقاومة إلى كل مكان ما عدا القدس. انتهكت سيادة لبنان وعطلت حكوماته وفجر مرفؤه، وتحول الجنوب إلى ترسانة أسلحة بدعوى أنها لمقاومة الاحتلال وتحرير القدس، وكما قال حسن نصر الله: «لما بعد ما بعد حيفا». ساعد مرتزقة السياسة والإعلام العرب وقنواتها في ترسيخ دعاية محور المقاومة عن فلسطين والقدس.
عندما دقت ساعة الصفر وتهورت «حماس» ظناً منها أن إيران و«حزب الله» سينصرانها ظهرت الحقيقة المرة، فإذا بها تصارع العدو الصهيوني وحيدةً. استمر تدمير غزة لأكثر من شهر وما زال، ومحور المقاومة لم يتحرك. بل ظهر تخليه عن «حماس»، فبعد أن تبرأ محور المقاومة من عملية «فيضان الأقصى»، تبعه التخلي الكامل عن «حماس»، فخامنئي يقول: «نحن نقوي الشعوب، لكننا لا نحارب عن أي شعب».
لم تكن ردة فعل «حزب الله» على مجازر غزة، ولا الفصائل العراقية، بأحسن من إيران، فخرج حسن نصر الله بعد طول غياب ليقول لن نخوض الحرب وعلى الفلسطينيين الصبر.
مع هذا الوضوح، برز سؤال مهم؛ كيف نفسر التراشق الذي يتم بين «حزب الله» وإسرائيل، وكذلك القصف المتقطع الذي تقوم به الفصائل الشيعية في العراق؟
التفسير المنطقي أنه اتفاق بين الطرفين لرفع الحرج عن «محور المقاومة» أمام الجماهير العربية والإسلامية وقبلة حياة للدعاية الكاذبة لـ«محور المقاومة» عن تحرير القدس.
تحقق لإيران ما تريد، وهي تنتظر التموضع لما بعد حرب غزة، فقد أبدت أن لديها استعداداً لتحرير الأسرى، ولا بد أن زيارة هنية الأخيرة لإيران تصبّ في ذلك الاتجاه.
كما أنه رفع الحرج عن محور المقاومة نوعاً ما، إذ هناك من يردد في المغرب العربي والشام؛ على الأقل «حزب الله» أطلق صواريخ، وكذلك الفصائل العراقية، فماذا فعلتم؟
انطلت تمثيلية التراشق والقصف على الكثير، حتى أكد الرئيس ترمب ما كنا نقول به من اتفاق مُسبق.
قبل أيام صرح ترمب بهذا التصريح حول ردة فعل إيران بعد مقتل سليماني:
«اتصل بنا الإيرانيون... قلت هذه القصة لأول مرة قبل أسبوع. اتصلوا بنا وقالوا اسمع ليس لدينا خيار يجب أن نقصفكم لنحافظ على كرامتنا. تفهمت ذلك فقد ضربناهم ولا بد أن يفعلوا شيئاً. قالوا سوف نطلق 18 صاروخاً على بعض قواعدكم. تتذكرون تلك الليلة كانت ليلة مثيرة، كنت الوحيد الذي لم ينتابه القلق لأنني كنت على علمٍ بما سيحدث. قالوا لا تقلق سنطلق 18 صاروخاً على قاعدتكم لكنها لن تصيب القاعدة. هذه الصواريخ دقيقة جداً لا يمكن أن تخطئ فلا تقلق لن تصيب القاعدة».
إيران تهمها مصالحها، وقد حققت لها استراتيجيتها الكاذبة حول فلسطين والقدس ما تريد. خلاف أميركا وإيران وإسرائيل خلاف مصالح، فإيران ستحمي مصالحها، والفريسة مشتركة «عربية».
ما يحدث في غزة مأساة تصغر أمامها جميع المآسي السابقة، لكنها تكشف زيف شعارات إيران وحلفائها، وبيّنت التواطؤ المرحلي بين «حزب الله» وإسرائيل.
وأكاد أجزم أن نتنياهو مثل ترمب لن ينتابه القلق من «حزب الله» ومحور المقاومة، لأنه على علم بما اتفق عليه مسبقاً.