حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

فاتورة حرب إسرائيل الاقتصادية!

استمع إلى المقالة

ورطة إسرائيل الكبرى في مجازرها المرتكبة بحق المدنيين في غزة تتجاوز فقدان حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة للتأييد الشعبي في إسرائيل، والاعتراض الصارخ من الرأي العام العالمي عليها، والتخبط الهائل بين قيادات الجيش الإسرائيلي واستخباراته... فهناك فاتورة اقتصادية مؤلمة جداً تهدد الكيانات الاقتصادية الكبرى في إسرائيل التي كانت تشكل مصدر زهو لها.

فاليوم هناك هبوط حاد في قيمة الشركات الإسرائيلية الكبرى ببورصة تل أبيب تتجاوز معدلاتها 25 في المائة، وأكبر خمسة بنوك تهاوت قيمتها، وتبلغ تكلفة تمويل جنود الاحتياط كرواتب فقط مبلغ المليار دولار شهرياً. ولعل أهم قطاع تأثر باستدعاء الاحتياط هو قطاع التقنية الحديثة الذي يعد العمود الفقري للاقتصاد الإسرائيلي، لأنه فقد أكثر من 30 في المائة من إجمالي الموظفين فيه.

ويواجه أكثر من 70 في المائة من شركات التقنية الحديثة مشاكل عنيفة جداً في التشغيل، بسبب الوضع المتأزم، مما اضطرها لإلغاء عقود التسليم أو تأجيلها، علماً بأن هذا القطاع يشكل 18 في المائة من إجمالي الناتج القومي الإسرائيلي الذي وصل إلى 522 مليار دولار عام 2022، كان نصيب قطاع التقنية منها ما يقارب المائة مليار دولار. واليوم تبلغ التكلفة اليومية للحرب الإسرائيلية 250 مليون دولار، ومع مرور نحو شهر على بداية المعركة ستكون الحرب قد كلفت إسرائيل 73 مليار دولار.

مع ضرورة التذكير بأنه قد تم الاستغناء عن 47 ألف موظف وعامل في الأسبوع الأول لاندلاع المعركة، وطبعاً هذا الرقم مرشح لأن يزيد. مع عدم نسيان التوقف التام لحركة السياحة إليها أو الاستثمارات فيها.

كنت في حديث ساخن مع أحد المصرفيين الغربيين مؤخراً، وهو صديق قديم، وتطرقنا إلى موضوع الساعة والمتعلق بالإبادة الإسرائيلية على مدنيي غزة والقتل الممنهج بدم بارد، وذكرت له الجانب الاقتصادي وتكلفة الحرب على إسرائيل، وقلت له إن تلك المسألة غير قابلة للاستمرار (not sustainable)، إلا طبعاً لو خرجت دفاتر الشيكات من الغرب وتم التحويل المالي اللامحدود لها.

وهنا تحول الحوار إلى تكرار لديباجة أن الغرب كمنظومة أخلاقية عليها حماية مصالحها ومراعاة حقوق الإنسان «والدفاع عن قيمنا، وإسرائيل تمثل ذلك كله بالنسبة لنا في الغرب»، بحسب كلامه لي.

ابتسمت في وجه الرجل ابتسامة أعترف بأنها كانت صفراء وجافة وباهتة ولا تخلو من السخرية، وقلت له: هل أنت مقتنع بما تقول؟ أسألك أن تتمهل وتتمعن في إجابتك قبل أن تقولها... هل وأنت تشاهد الدمار في غزة، وقتل الشيوخ والنساء وآلاف الأطفال وتدمير المدارس والمساجد والكنائس والجامعات والمستشفيات وسيارات الإسعاف باستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، ومنع عرض كل ذلك على شاشات الغرب وتحجيم ومحاربة الصوت الفلسطيني بحجة أنه «صوت إرهابي ومعادٍ للسامية؟».

لم يعلق الرجل على ما قلته، وإن كان قد امتعض، إلا أن ردة فعله أشعرتني بأنني أمام ردة فعل عدد غير بسيط من مؤيدي إسرائيل لا يزالون في حالة إنكار عميقة، ولا يرون حجم التغيير الهائل الحاصل في الرأي العام العالمي، وأولها في مدنهم المختلفة.

في التأييد الأعمى والمطلق لإسرائيل، فقد مناصروها البوصلة الأخلاقية وتخطى موقفهم مبدأ الكيل بمكيالين، وصولاً إلى الظلم والنفاق.

خسائر إسرائيل بسبب مذابحها ومجازرها المتواصلة على مدنيي غزة، التي استخدمت فيها كل أدوات ترسانتها العسكرية الفتاكة (لم يتبقَّ سوى السلاح النووي لم يتم استخدامه، رغم الاقتراح الذي قدمه أحد وزراء نتنياهو بإلقاء القنبلة النووية على أهل غزة)، قد تتخطى التكلفة الاقتصادية ومقتل الجنود والأسرى وتكلفة المدرعات والدبابات التي دمرت، والخسارة العظمى أنها لن تكون قادرة على الاستمرار في بيع وتسويق وترويج بضاعة أنها «دولة ضعيفة ومظلومة ومهددة وسط الوحوش»، وهي السردية التي كانت تعتمدها لابتزاز تعاطف الغرب وتأييده وأمواله.

هناك جيل جديد، حول العالم عموماً وفي الغرب تحديداً، مصدوم من هول وحجم أكاذيب وجرائم إسرائيل... جيل جديد مخدوع من إعلامه وساسته الذين طالما روجوا لإسرائيل أنها واحة الديمقراطية والسلام وراعية حقوق الإنسان، ليستفيق الناس بصدمة عنيفة مكتشفين أن رواية سندريلا إسرائيل ما هي إلا رواية «دراكولا مصاص الدماء».